وليد رعد.. وقد ضاق ذرعاً بعالمه

روجيه عوطة

الأربعاء 2017/09/20
يمكن للزائر أن يتجول داخل معرض وليد رعد، "Better be watching the clouds" في صفير-زملر بلا أي نَظْم زمني أو ترتيب مكاني، وذلك، تماماً كما يفعل هذا الفنان النجم في معاصرته عندما يقدم أعماله، مبعثراً ترقيمها، وطارحاً أشكالها. من الممكن للزائر أن يتجول تحت إمرة عينيه، أن يحدق في الصور، ويشاهد الفيديو، وينجذب إلى الخرائط، ويعاين الرسوم. ولما يختم زيارته بالوقوف أمام المجسم العمراني، ينتهي إلى أن رعد، الذي ذاع صيته بالإرتكاز على تجربته عبر "مجموعة أطلس"، له باع بمسار آخر، لا صلة له بمسار التأريخ، الذي يساوي، وعلى تقليد إبتداعي، الحقيقة مع التخييل، وهو تقصي أرجاء الفنون، من غاليرهات ومعارض ومدارس.


وطبعاً، المساران، وبالإضافة إلى مسار التسجيل المشهدي لبيروت، لا ينقطعان عن بعضهما البعض، بل ثمة انتقالات بينهما. في البدء، عبأ رعد بما وقع خلال الحرب اللبنانية، بحيث بين وصنع أحداثاً لإنتاج الزمن، وبعدها، اكترث بالمعمورة المدينية، ملتقطاً مناظر "مكلفة" لإنتاج الفضاء، ثم، وبعد عقدين تقريباً، ولما كان قد انخرط في الإطار العالمي للفن، على مقالبه المؤسساتية والسوقية، تحول إلى متقصيه، أي بحث فيه من قرب، وذلك، قبل أن يصير مخططه وتشييده بمساعدة برنار خوري في (Preface (2016 - 2026 ومن دون أن ينجحا.

في هذا كله، وبحسب ما يوضح تجميع أعمال رعد في معرض واحد، وتحت عنوان واحد، ما يشبه السيرة، التي بدأت بالإهتمام بوقائع الحرب، وانتهت إلى إقتراح تصميمي مرفوض لتشييد "متحف بيروت للفن". سيرة لا لبس في خصوصيتها، غير أنها تستمد قيمتها من كونها، وعلى طولها، لا تدّعي غير ما هي: من الموطنة العادية في لبنان إلى الموطنة المألوفة في عالم الفن، من تصويرات "Sweet talk" في الثمانينات إلى ملاحقة "ميدانية" لـ300 قطعة فنية، أرسلها متحف اللوفر في باريس إلى متحف اللوفر في أبوظبي.

وبين الموطنتين، هناك قاسم مشترك، وهو ليس ممارسة رعد، بل سمته، وهي أنه يضيق ذرعاً أينما كان، ومن هنا، يمضي إلى أحابيله، التي غالباً ما تجيء من قبيل التوطئات، وتظل على هذا النحو مهما طالت أو قصرت أوقتاها. فرعد، وحين يقدم أعماله، وأياً كان طرزها، تبدو أنها متواصلة، مستمرة، تشي بأشيائها. لكنها على الدوام، تعلم متلقيها بأنها لن تنتهي البتة. وهي بذلك، لا تعد بمعنى قاطع، بل بالكاد تبوح به، هل هذا ضعفها؟ ربما، كان من المرجح أن يصير مكمناً لهزالتها لو أنها ليست مسنودة بنشاط، يحتمه ضيق الذرع، الذي، وفي بعض الأحيان، لا يحمل على إستكمالٍ بعد الشروع.

في هذا السياق، يتمحور معرض رعد، وفي بعض نواحيه، حول تقصيه عدد من المسائل المتعلقة بعالمه الفني، الذي يسكن فيه، ولا يتركه. يذهب إلى متحف الفن العربي الحديث في بيروت، ويجد أن الظلال مفقودة عن بعض اللوحات، فيقرر نحتها، يمضي إلى متحف بيروت الوطني، ليقع على رسوم ولوحات مروان قصاب باشي، التي تحضر على الجهة الخلفية لأعمال فنية. يقيم في اللوفر، فاحصاً قطعه المرسلة إلى أبوظبي، ومن جديد، يلاحظ أنها بلا ظلال. أينما حضر في عالمه، يعمد رعد إلى تقصي ما يحسبها شؤونه، أكانت حقيقية أم تخييلية، وذلك، مرةً، بوجهة نقدية خفيفة، ومرةً، بوجهة سردية، ومرةً، بتفخيم شكلي، ومرةً، بتركيب بصري، بالنزول إلى تحت الأرض، كما في تصويره أحد أنفاق اللوفر، أو بالطلوع إلى المداخل، كما في فيديو فرنسوا هولاند في حين افتتاحه جناح الفنون الإسلامية في اللوفر.

يدور رعد في عالمه الفني، في أرجائه، ولما ينصرف منه فلبنائه، مبرزاً إياه، وبالتعاون مع برنار خوري، جوفياً ومعتماً ومغرّقاً. نعم، من الأجدى مشاهدة الغيوم، يقول وليد رعد، وهذا ما يصيب فيه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024