"الأبديّة تبحث عن ساعة يد"، مختارات شعرية لأندري بريتون

المدن - ثقافة

الإثنين 2019/02/11
عن "منشورات الجمل"، صدرت مختارات شعريّة لأندري بريتون، في 168 صفحة، من ترجمة الشّاعر والمترجم المغربيّ مبارك وساط. أمّا عنوان هذه المختارات، "الأبديّة تبحث عن ساعة يد"، فقد اقتبسه المترجم من قصيدة بريتون "إزاء الآلهة"، الواردة ضمن المختارات المترجمة.

ممّا ورد في تقديم المترجِم للمختارات: "(...) نَشَر بريتون أولى مجموعاته الشّعريّة سنة 1919، تحت عنوان: "مصرف التّسليف بالرهن"، وخلال نفس السنة، أسّس، رفقةَ لويس (لوي) أراغون وفيليب سوپو، مجلّة "ليتّيراتور" (أدب). وقد شارك بريتون في أنشطة "مجموعة دادا" (المجموعة الدّادائيّة)، خلال سنوات 1919 ـ 1921، وكانت الدادائية، بالنسبة إليه، نوعاً من الجسر نحو السّوريالية.

والدادائية هي حركة ثقافية، أدبيّة وفنّية، تشكّلتْ خلال بداية القرن العشرين، وتتميّز بإعادة نظر جذريّة في الأعراف والإكراهات الإيديولوجيّة والجمالية والسياسية. والمرجّح أنها ظهرت إلى الوجود في فبراير 1916على يد كلّ من الشاعرين الألمانيّين هوغو بالْ وريشار هولْسَنْبيكْ والرسّام التشكيلي مارسيل جانكو وصديقيه هانس آرپْ وتريستان تزارا (الشاعر الروماني المعروف). وقد اعتبر الدّادائيّون أنفسهم «سلبيّين»، فهم لا يؤمنون بفكرة التّقدّم، ولا يهتمّون سوى باليوم الحاضر (وحتى هذا الاهتمام تُخالطه "روح التّسلّي")، وبالطّبع، فهم يرفضون أيّاً من مظاهر الامتثالية في نطاق الأدب، ويعملون على التخلّص من كل رغبة في أيّ من النماذج الجمالية وفي ما يكرّسه الشعر أو الثقافة أو الذّوق في ذلك النطاق… إذن، فقد تميّزتْ الدّادائيّة باندفاعتها المتمرّدة الجامحة ورفضها لسلطة العقل والمنطق، وباستهانتها بالتقاليد. وعلى يد الشاعر الروماني الذي كتب أساساً بالفرنسية، تريستان تزارا، تمّت المواءمة بين الدّادائيّة والنضال اليساريّ. ويُنسَب اختيار تسمية "دادا" إلى تريستان تزارا، وهو نفسه يقول إنه فتح القاموس بشكل عشوائي، فعثر على كلمة "دادا"، وسمّى بها الحركة المذكورة.

وكان بريتون – قبل أن تظهر السّوريالية إلى الوجود- قد عمل على نشر الدادائية في باريس، ثم انتقل تزارا نفسه إلى العاصمة الفرنسية في أواخر 1919، لكن بريتون سيقطع علاقته لاحقاً بتزارا، بشكل مفاجئ اعتبره الكثيرون على جانب من "الفظاظة". بعد ذلك، سينتمي تزارا إلى الحزب الشيوعي ويستقرّ فيه لفترة طويلة نسبيّاً ، فيما سيكون بريتون بمثابة عابر سبيل في الحزب المذكور، إذ سرعان ما سيغادره، معلناً موقفه المعارض جذرياً للستالينية، كما أنه سيزور تروتسكي في المكسيك ويساند التروتسكية زمناً…

وقد التقى بريتون بسيغموند فرويد في فيينّا، في سنة 1921. وليس غريباً أن يكون بريتون قد سعى إلى لقاء فرويد، فالسّوريالية كانت تمنح مكانة خاصّة للّاشعور وللأحلام في عملية الإبداع على العموم (كما تجلّى ذلك، مثلا، في التحمّس السورياليّ – خلال فترة ما- لما نُعِت بـ"الكتابة الأوتوماتيكية"). فمعلوم أنّ السّوريّالية كانتْ قد هدفتْ إلى الجمع بين مبتغى رامبو ("تغيير الحياة") وهدف ماركس ("تغيير العالَم")، وإضافةً إلى هذا، فإنّ أندري بريتون، الذي كان قد افتتن بأفكار فرويد، استخلص منها ما يؤكّد وجودَ صلة عميقة تربط الواقع بعالم الأحلام، ووجودَ ضَرب من الاستمراريّة بين حال اليقظة وحال النّوم. وبالنّسبة لبريتون، فإنّ المماثلة بين الشاعر والحالم، التي كان بودلير قد أكّد عليها، أضحتْ مًتجاوَزة، إذ إنّ السّوريالية تبحث عن اتحادٍ للواقع والخيال، في ما يُشكّل "واقعاً مطلقاً"...

أمّا فرويد، وبحسب ما كتَبَ في رسالة له إلى ستيفان زفايغ، فإنّه كان "مرتاباً " بخصوص ممثّلي السوريالية"، بل وحسبهم مجانين "بنسبة 95٪"، ولم يُغَيّر رأيه هذا إلا بعد أن عاين أعمال سالفادور دالي!

في سنة 1924، ظهر "بيان السّوريّاليّة"، بقلم أندري بريتون، ويجب أن نشير إلى أنّه كان، في طبعته الأولى تلك، تقديماً لكتاب بريتون الشّعري "سمكة قابلة للذّوبان"(...)...

من قصائد المجموعة:
عالَم
في قاعة الاستقبال عند السّيدة دي ريكوشيه
المرايا هي من حبّات ندىً معصورة
المنضدة الصّغيرة مُشكَّلة من ذراع وسط اللبلاب
والسّجادة تموت مثلما الأمواج
في قاعة الاستقبال ببيت السّيدة دي ريكوشيه
شايُ القمر يُقدَّم في بيوض السُّبَد
السّتائر تطلق العنان لذوبان الثّلوج
والبيانو الذي تراه العين جِدَّ بعيد 
يهوي كتلة واحدة 
وقد أصبح من صَدف
في قاعة الاستقبال لدى السّيدة دي ريكوشيه
مصابيح واطئة تحت أوراق شجرةِ حَوْر
تُزعج المِدخنةَ ذات حراشفِ أمِّ قِرْفة
حين تضغط السّيدة دي ريكوشيه الجرس
تنشقّ الأبواب كي تفتح الطّريق 
لخادمات على أراجيح
..............................
إنصات إلى المحارة
لم أكن قد بدأتُ أراكِ كنتِ أُوبْ
لم يكن شيءٌ قد كُشِف
كانت كلّ القوارب تترجّح على السّاحل
فاكّةً الأشرطة الحرير (تعرفين) عن عُلب حبّات المُلَبّس
الورديّة والبيضاء التي يتنزّه فيما بينها
مكّوك من فضّة
وأنا أسميتُكِ أُوبْ مرتعشاً
بعدها بسنوات عَشر
أعثر عليك من جديد في الزهرة المداريّة
التي تتفتّح في منتصف الليل
بلّورة الثلج الواحدة 
التي تطفح من كأس يديك الاثنتين
يسمّونها في المارتنيك زهرة الحفل الراقص
هي وأنتِ تتقاسمان سِرّ الوجود
فأوّل حبّة طَلّ تتقدّم كثيراً على الأخريات
تنبعث منها ألوانُ قوس قُزَح 
جنونيةٌ وتحتوي كلّ شيء
أرى ما سيبقى إلى الأبد مُخفىً عنّي
إذ تنامين في فُرجة ذراعك تحت فراشات شَعرك
وحين تنبعثين من فينيق نبْعك
في نعناع الذّاكرة
ومن التموّج الملغز للتشابه في مرآة بلا قاع
تسحبين دبّوس ما لن نراه ثانية
في قلبي كل أجنحة زهرة الصّقلاب
تُوطّد ما تقولينه لي
تلبسين فستاناً صيفيّاً لا تتعرّفين فيه على فستان لك
يكاد يكون لامادّياً تزيّنه في كلّ الاتجاهات قِطع مغناطيس
على شكل حدوات أحصنة جميلة 
حمرتها خفيفة وذاتُ قدمين زرقاوين...

من قصائد المجموعة: يتضمن قصيدتين اثنتين فحسب: 1- عالَم 2- إنصات إلى المحارة.
أوبْ، في القصيدة الثانية، هي ابنة الشاعر (بريتون).
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024