بين الدستور والضمير

أسعد قطّان

الإثنين 2019/11/25
الدستور لا يُلزم رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة بمهلة محدّدة في ما يخصّ الاستشارات النيابيّة، التي من شأنها أن تؤدّي إلى تكليف رئيس الحكومة. هذه هي الحجّة التي استُعملت في الأسابيع الأخيرة لتبرير التأخّر في القيام بدعوة نوّاب الأمّة إلى قول كلمتهم في مسألة التكليف.

الحجّة صحيحة ولا شكّ. فالدستور لم يحدّد مهلةً لدعوة ممثّلي الشعب. ولكنّ هذه الحجّة ينطبق عليها ما قالته العرب من أنّها "حقّ يراد به باطل"، وذلك لأنّها تعطي الانطباع أنّ الدستور هو المرجعيّة الأخيرة للبتّ في شؤون الأمّة في الأزمنة الحرجة. ولكنّ الدستور مجرّد نصّ، وهو وليد عقد اجتماعيّ بين أهل الوطن الواحد. والنصوص، كما علّمنا الأمام عليّ، "حمّالة أوجه" ومعرّضة لأن تصبح فريسة الاستغلال.

لكنّ الأهمّ من هذا كله هو أنّ ثمّة سلطةً أعلى من كلّ دساتير الأرض، وهي تتلخّص في كلمة واحدة: الضمير. قد يبدو هذا الكلام ساذجاً أو بديهيّاً بالنسبة إلى البعض. لكن من المفيد التذكير بأنّ الدساتير، مهما سمت، يجب أن تبقى خاضعةً لسلطان الضمير، الذي هو أساس المُلك، وللمنظومة الأخلاقيّة النابعة من هذا السلطان. من غير المسموح مثلاً سنّ دستور لا يساوي بين الناس في الوطن الواحد، لا لأنّ هذا غير ممكن، بل لأنّه يخالف الضمير الجمعيّ الذي يقول بالمساواة انطلاقاً من القاعدة التي ترى أنّ الإنسان يجب أن يعامل الآخرين كما يتمنّى هو أن يعاملوه. ومن غير المسموح تفسير الدستور على نحو لا يحمي الضعيف وينتصر له، لا لأنّ هذا التفسير متعذّر، بل لأنّ المنظومة الأخلاقيّة التي توجب حماية الضعيف في مجتمع ما، أي الطفل والشيخ والمريض (والمرأة طبعاً في المجتمعات الذكوريّة) هي التي يجب أن تتحكّم في تأويل الدستور وسنّ القوانين.

الضمير والأخلاق، إذاً، هما المعيار الذي يجب أن يسوس فهم الدستور، ويسوس تطبيقه. والاحتكام إلى نصّ الدستور حصراً من دون مراعاة خطر انهيار البلد والمجتمع وضرورة مواجهة هذا الخطر "الآن الآن وليس غداً" هو بمثابة تغليب لنصّ الدستور من حيث الشكل على الضمير. ولكنّ الضمير هو المرجعيّة الأخيرة، وهو المعيار الذي يجب أن يتأسّس عليه فهم كلّ دساتير الأرض وتطبيقها في الأزمنة كافّةً، لا سيّما في الأزمنة الصعبة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024