وبحسب مقدمة الكتاب، فإنّ مجمل الأدب الحكائي يمكن أن يندرج تحت إطار الماجريات؛ فلازمة "وما جرى له / لهما / لهم" تتكرّر في معظم عناوين القصص، وما لم يجرِ على أرض الواقع فقد جرى في الخيال وجرت به ألسنة "القيل والقال". والماجرية تتحدث عن رغبتها وانتظارها:
طمعت قلبي بوصلك حسبت وعدك قريب
خاب الامل صرت بعدك في الحي ملقا غريب
جسمي من الحب ناحل مذ غبت عن ناظري
وكم قطعت مراحل وانت في خاطري
وهناك شيء من الفانتازم الجنسي في أخبار الماجريات، تقول:
بالله عليك يا جاني ارفع قوي سيقاني
واجعل اصابع رجليّ من خلف شحمة آذاني
و"ترقد على وجهها مبطوحة وتكشف عن أوراكها. ثم تملأ القدحين وتضع كل قدح على فردة من لواياها وهما يتزحزحان من الشحم. تهزهز الفردتين سوا بصناعة وموازنة حتى يتلاطم القدحان وهما |5أ| على اردافها مع لواياها. فكان شي يحير العقول ويدهش النواظر، وكانت مع ذلك تغني تقول:
لياتي ترقص باقداحي واوقاتي دايمة بافراحي"...
وقوة شهوة النساء حاضرة في وجدان الماجريات أو كما يرويها الكاتب، الى درجة أن الماجرية والعشيق "يبوا عن الوجود ويصير وجدهم مفقود"... بمعنى اخر النصوص التي تروي حكايا الماجرية اقيسة(من قياس) على المعنى الرغبة، وانماط انتشارها، ومعنى العشق وخطابه.
والكتاب في حكاياته شيء من حكايات زمن غابر، انيط بنساء المماليك ان يتميزن به، وتكثر الدراسات حولهن، وهن تميزن بجمالهن وحسنهن...
لا يبوح حديث الماجريات باسم صاحبه/ناقله الذي جمعه وألّفه ممّا قرأ وسمع وشاهد ونقل. لكن من المعطيات النصّية يبدو أنّه مصري، وأنّه سافر "الى حلب الشهبا في زمن سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاون"، وعدا عن الاصل المصري للكتاب، هناك ما يشبه طقوس عوالم القاهرة وغوازيها وزمن قبل صعود الغناء الحديث. كانت "العالمة" تحيك القصص وتنتهي لياليها حكايات في هذا الشارع وذاك، مع فارق أن الماجريات نساء بلا وظائف، هن حكاية بين السكر والجسد والأربعة جدران، يروين حيلهن في العشق، او قصتهن مع عشيق، أما العوالم فهن في دائرة العرض والطلب.
وعدا عن اطلاع مؤلف الماجريات المتخفي أو المجهول على كتابات المتقدمين ممّن اعتنوا بتأليف كتب الهزل والمجون؛ كان صاحب "الماجريات" أيضاً على اطلاعٍ على كتابات أبي الفرج ابن الجوزي؛ فهو يذكره مرّتين: "قال صاحب الحديث عفا الله عنه قال حكى لي رجل وكيل وكان كثير الحراف وقد قرا ودرا وحفظ الاسمار وروي الاخبار وانشد الاشعار وقد دكر لي اشيا من اخبار الحمقا والمغفلين لابن الجوزي وغيره" . و"قال المولف [...] وقعدنا قليل نستريح فتباسطنا فى الكلام وتجارينا حديت الاعوام وما جرى على المغفلين من المقادير والاحكام وما قاسوا من الشدايد والالام ومن الفضيحه والتهتك بين الانام فاحكيت لهم انا شي من نوادر الحمقا والمغفلين لابن الجوزي فقالوا الجماعه هدا جري وكان في ذلك الزمان ونحن نشتهى نسمع ونشاهد عيان ما جرا في هذا الزمان".
حاول المحقق أن يقدّم في تحقيقه لمتن المخطوطة "صورةً أمينةً لنصّ الناسخ"؛ فلم يصحّح لفظاً أو يقوّم عبارة، وإنما اكتفى في مواضع "الخطأ والخلل بإيراد قراءات الروايات الأخرى (إن وُجدت)"، واعتمد من تلك القراءات ما ارتأى أنه الأصوب والأقرب إلى نصّ المؤلف. واكتفى من فروقات الروايات المختلفة ـ شعراً ونثراً ـ بما كان منها ذا دلالة وفيه إشارة تساعد على تتبّع علائق المتون المتوالدة.
أحسب أن المؤلف يقول من خلال الماجريات أن لا خيمة فوق رأس امرأة في المكائد والحيلة والشهوة والعشق، سواء الجارية أو الحرة، الفقيرة أو الثرية، الريفية أو المدينية، وإن كانت المرأة عصية على رجل، فيبدو أن مفتاح التواصل معها امرأة أخرى. ويقص المؤلف المجهول حكايات ماجرياته، كأنهن بطلات في زمانهن، أو حكايتهن من بطانة القص البطولي العربي.