رولا الحسين
الحصول على موازنة "هوليوودية" تمكّنه من بناء "لوكايشن" مناسب للفيلم.
تصوير داخلي فقط، فنرى الحرب في عيون المختبئين والخائفين والممنوعين من المغادرة. وربما هذه كانت فكرته الأساسية، لكن مُشاهدته للدمار في سوريا فتحت له تحديًّا جديدًا.
البحث عن "لوكايشين" طبيعي. خراب قائم. خراب طازج.
اختار المخرج الخراب الطازج. وهذا الخيار هو موضوع هذا المقال.
قرر غصين أن يصوّر في سوريا. القصير، أو الزبداني، أو ربما مكان آخر في سوريا. المهم أنه صوَّر في مكان دُمّر، وما زال مدمَّراً، وما زال أهله مبعدين عنه لأنهم فقدوا منازلهم فيه. ثم استخدم هذه المَشاهد في فيلمه الذي لا يحكي عن دمار سوريا. وبعدما انتشرت معلومة تصويره للدمار في سوريا واستخدام تلك المَشاهد في فيلمه، فأثارت موجة من الاستنكارات والتعليقات والمواقف المطالبة بتفسير هذا الخيار الذي وضعه منتقدوه في خانة "السقوط الأخلاقي"، مرَّر المخرج ردّاً "إسعافيًّا" عبر جريدة "المدن" يبرر فيه خياره هذا، بأن أحداث الفيلم ليست فقط عن الحرب الإسرائيلية على لبنان، لكن عن الحرب أينما كانت، وعن الفرد المتروك لمصيره خلال هذه الحروب. وإضافة إلى أن هذا تعريف توصيفي جديد للفيلم، لم يذكره في المقابلات والمقالات والنبذة الرسمية، فهو غير موفق أيضاً.
بحسب رده الأخير: فيلمه عن كل الحروب، إلا أنه يروي قصة تحدث في جنوب لبنان، وفقاً للمقابلات والمقالات السابقة.
بحسب رده الأخير: فيلمه عن كل المتضررين، إلا أنه يحكي قصة مجموعة لبنانية صغيرة، وفقاً للمقابلات والمقالات السابقة.
بحسب رده الأخير: فيلمه لا يُظهر وجوه العسكر، إلا أن قصته تقول أنه عن الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان، وفقاً للمقابلات والمقالات السابقة.
في ردّه، الذي لم يتضمّن إجابة فعلية على أسئلة المتفاجئين والمتسائلين والمستنكرين وأصدقائه المهتمِّين، لم يُدلِ غصين إلا بحُجّة، لا تعفيه من الإجابة عن تلك الأسئلة، ولا تبرِّر خياره. لم يجد المخرج أنه مَعنيّ بالإيضاح: كيف تواصل مع حزب شنَّ على السوريين حرباً عنيفة في عقر دارهم؟ كيف ذهب إلى القصير، التي لم يستطع أهلها العودة إليها؟ ماذا كان شعوره وهو يصوّر ويشاهد تطابُق مشاهد الدمار الذي سببته إسرائيل في حرب 2006، مع مشاهد الدمار الذي سبَّبه "حزب الله"، والذي لا بدّ أن المخرج -أو من يمثَّله- طلب إذن التصوير منه، وإلا ما كان ممكناً دخوله إلى هذه المناطق الحساسة؟ هل شعر بقصص مَن دُمِّرت منازلهم على أيدي من سمحوا له بتصوير مشاهد الدمار هذه؟ هل سمع صدى الكلمات الأخيرة التي قيلت في تلك البيوت قبل أن تهدم؟
ربما كان الأجدى به أن يقول ببساطة ما حصل: "أن خياره كان الأنسب في ظل ظروف موازنة محدودة، وهو الأنسب من ناحية الإدارة الفنية. فهذه الأمور (الموازنة واللوكايشن والادارة الفنية) أساسية جدًّا في كل فيلم… وإن هذه المقاربة الأخلاقية ليست من أولوياته كمخرج لهذا الفيلم... فثمة جوائز ضمن أسبوع النقاد في مهرجان البندقية السينمائي تنتظره، وسيحصل عليها".