"كتير مهضوم": لماذا يحبون صُور القطط لهذه الدرجة؟

روجيه عوطة

الإثنين 2020/05/11
من الممكن ترجمة عنوان الكتاب الجديد لمؤرخ الفوتوغرافيا الكندي فانسن لافوا، بـ"كتير مهضوم: أساطير الظريف" (puf 2020)، بحيث أن "مهضوم" هنا تعريب لـmignon والـ"ظريف" تعريب للـcute. وهذا لأن، وإن بحثنا في اللسان المحكي على مقلبه اللبناني أقله عن معادل لعبارة trop mignon التي تتردد على اللسان نفسه في ناحيته الفرنسية، من الممكن الوقوع على "كتيرررر مهضوم". أما، cute، وإن بدت أنها ترادف "المهضوم" في اللسان ذاته من جهته الإنكليزية، لكن تعليقها على "الأساطير" يجعلها تستمد من أثر الأسطرة تعبيراً، ليس جدياً، وإنما راسخاً في قاموسه، وهو الظرافة.

بالطبع، من الممكن الاستعاضة عن الظرافة بغيرها، إلا أنها، وعلى الرغم من رسوخها، أو في نتيجته، تغطي مروحة من السمات: الفكاهة والدعابة والذكاء والملاحة والجاذبية والكياسة واللطافة والبراعة والحذاقة إلخ. بالتالي، من الممكن تقريب "الظرافة" من الهضامة - وهذا مدخل لقراءة الكتاب - على أساس أن الأولى تجمع عدداً من سمات الثانية، وأولها الفكاهة والجاذبية واللطافة، والجمع في هذا السياق يساوي البدء: المهضوم، وفي بدايته، ظريف. لكن، ماذا يجعل من الظريف "كتير مهضوم"؟

لكي يطرح لافوا هذا الاستفهام يمضي إلى البحث عما عنته خانة "المهضوم" في مجال بعينه، وهو فعلياً مجال اقترنت به وانطلقت منه. فيستدل على "المهضوم" في مجال صور القطط الصغيرة التي تنتشر في الإنترنت، عائداً إلى العام 2009، يوم انتشر فيديو القطة الصغيرة Atilla fluff، التي تظهر خلاله فاتحة ومغلقة ذراعيها ورجليها بسبب دغدغتها من قبل مصورها. شوهد الفيديو عشرات ملايين المرات، بل أدى إلى انتشار فيديوات على منواله، تمتلئ بالقطط التي تظهر مثل atilla fluff، وجميعها تحت عنوان الهضامة. من هنا، يقول لافوا، وبالاستناد إلى ما كتبته راضا أوميارا، أن ذلك الفيديو يحيل إلى أصل السينما، بحيث أن بغية الاثنين جذب المشاهد عبر إثارة فضوله، ومفاجأته، وذلك، بالإرتكاز على سرد بسيط للغاية. هكذا، تكون السمة الأولى للمهضوم أنه، وفي مشهديته أو إطلالته، مثير للفضول ومفاجئ.

لكن ذلك الفيديو، وإن كان مطلع انتشار خانة "الهضامة"، إلا أنها لم تصِر سائدة سوى مع فيديوات أخرى، وأبرزها "القط السعيد"، الذي، وبحسب لافوا، كان فاتحة تحول "المهضوم" في نسخته الحيوانية إلى سلعة بصرية. ففي إثر "القط السعيد"، خرجت ماركات بإسمه، بالإضافة إلى كتب عما يسمى الـ"lolcats"، وهي صور تبرز فيها قطط مع جمل معينة. على هذا النحو، صار المهضوم مجسداً لاقتصاد رقمي جديد يقوم بالعواطف، أو علامة على الرأسمالية الانفعالية في شكلها الافتراضي. 

بعد هذا، يحاول لافوا، وبالإشارة إلى قطط كثيرة، أن يحيط بكل أسس خانة "المهضوم". فيجد أنها، وفي حالة lil bub، تتعلق بالتعاطف معه، كما يتصف، وارتباطاً بنصائح باتريسيا كارلان في كتابها "كيف تجعل من قطك نجم إنترنتي، دليل إلى التمويل الحر"، بكونه صاحب مهارة أياً كانت، كالقفز، كالنظر بطريقة ما، إلخ.

(Atilla fluff)

بالإضافة الى ذلك، لا بد أن يكون المهضوم ضئيل الحجم، يؤنس، ولا يزعج، يستميل من دون أن يصدم. ومن هذه الصفة، يحيل لافوا المهضوم إلى لوحة la gimblette الشهيرة لفراغونار، التي، وفي ظنه، أنها أول لوحة تفتح الباب للحساسية الحيوانية، أو بالأحرى لسبغ الحساسية الإنسية على الحيوان، أي تشخيصه.

يذهب لافوا من نموذج إلى غيره، من "كرايزي كات" إلى ميكي ماوس، وبيكاتشو، ثم الـkawaii (معادل المهضوم في اللسان الياباني)، الذي، وبالارتكاز عليه، يفلت المهضوم من شخوصه الحيواني ليشخص في كل الأشياء. إذ يطاول البشر والأغراض والمواقف وغيرها، التي، وفي هذا السياق، تتسم، ولترسيخ هضامتها، بضرب من الطفالة مثلما أرسيت في تصور سائد عنها، أي منضبطة ومروضة. هذا، مع العلم أن الحيوانات، من قطط وكلاب خصوصاً، تبقى هي الأكثر تصديراً للهضامة، بحيث يصير الوقوف إلى جانبها محاولة للإتسام بها. لهذا، يعود لافوا إلى صور الجهاديين من "داعش"، التي يظهرون فيها مع القطط في ميادين الحرب، وقبلها إلى صور النازيين، التي ظهروا فيها مع القطط أيضاً في معسكرات الاعتقال.

في الفصل الأخير من كتابه، يتناول لافوا الـ"كتير" في الـ"كتير مهضوم"، سائلاً: "لماذا كثير؟"، قبل أن يرى أن كثرة الهضامة تؤدي إلى زيادة صفة معينة عليها، وهي أنها تجذب، وفي الوقت نفسه، تشعر بنوع من انعدام الراحة. وفي هذه الناحية، يُرجع لافوا كلمة cute اتيمولوجياً إلى الـacute، بمعنى الحاد الذي يأبر، يسلع، وبهذا، قد يحمل إلى الدفاع عن النفس ضده. فيستعيد لافوا عبارة "كتير مهضوم لدرجة أكله"، مثلما يستعيد فيديو جون رافمان، الذي يدور حول معس سلطعون، مقارباً إياه من ناحية "البارافيليا" (حب التهيج عبر الإيلام والاذلال)، أو ما يسمى crush fetish تحديداً. فحيال المهضوم كثيراً، ثمة مشاعر متضاربة، قد تؤدي إلى إفنائه.

فعلياً، كتاب لافوا "مهضوم" أيضاً، ليس بالمعنى الذي استخلصه للهضامة على طول صفحاته، بل بمعنى أنه، وفي مقارباته السريعة، يحث على الالتفات إلى ذيوع الهضامة في مطارح غير تلك التي ألقى الضوء عليها، في الاعلام، على الشاشة، الاجتماع الخ. كما يحث على البحث في تجويف الهضامة، وبالتالي، انتشارها مثلما تريدها الرأسمالية الانفعالية. وبالبعيد من حثه ذلك، قراءة كتاب لافوا تجعلنا ننظر إلى كل صور القطط  وغيرها التي تُنشر في مواقع التواصل بطريقة أخرى.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024