"بيروت سكام ويك": كسر الانحياز ضد الراب

حسن الساحلي

الخميس 2019/08/29
تأتي النسخة الأولى من مهرجان "بيروت سكام ويك" متأخرة، بما أن الوسط المرتبط بهذه الموسيقى يعتبر الأكبر من ناحية الجمهور، وعدد الفنانين بين مؤدين ومنتجين إلكترونيين ودي دجايز، والتنوع الكامن فيه، بالمقارنة مع أوساط موسيقية غربية موجودة في بيروت مثل الجاز مثلاً او الموسيقى التجريبة التي نظمت مهرجانات متعددة مع أنها لا تمتلك تمثيلاً كبيراً.

ويبرر المهرجان هذه المشكلة في المقطع التعريفي به الذي يتطرق إلى "إنحياز كثير من المنظمين والمعنيين ضد الثقافة الموسيقية المحلية والإقليمية". ويتحدث مازن السيد، أحد منظمي المهرجان عن وجود "وجهة نظر دونية نحو الراب من المهرجانات واوساط الموسيقي البديلة، ما أدى إلى تأخرهم تنظيمياً وعدم تمكين بنيتهم التحتية من مجاراة النمو الحاصل في قاعدتهم الجماهيرية". حديث السيد لا يخفي وجود مشكلة عند المنتمين لهذا الوسط، من ناحية القدرة على العمل المؤسساتي والخروج بمبادرات، وقد أشار مرات متعددة لوجود "طاقات سلبية" تقلل من قيمة أي عمل جدي.

يعتبر السيد من الفاعلين والمؤثرين في هذا المشهد، وقد تعاون سابقاً مع مجموعة كبيرة من الفنانين، أما منظم المهرجان الآخر ناصر شربجي ("تشينو") فلا يقل تأثيراً أيضاً فهو صاحب مبادرات من بينها "الحلبة" The Arena التي تجذب جمهوراً واسعاً، وتنقل فعالياتها فيديوهات تصل مشاهداتها إلى مئات الآلاف.

ساهم تعاون شربجي والسيد في التقاء وسطين متباينين، لم يجتمعا فقط نظراً إلى المضمون الذي يقدمه كل واحد منهما. ينتمي الوسط الأول إلى موجة الراب الشارعي التي تتضمن  "معارك راب" Rap Battles تحمل طابعاً عنيفاً وذكورياً واضحاً، ويمكن فيها سماع تعابير عنصرية ومهينة بحق النساء، أما الثاني فيتقاطع مع المشهد الثقافي المحلي ويتبنى فنانوه خطابا عقلانياً ومعادياً للعنصرية والتهميش (يمكننا القول إن أكثر من نصف المشاركين في المهرجان ينتمون إلى واحد من هذين الوسطين).

حفّز هذا التعاون تموضع شربجي والسيد في أمكنة وسطية خلال السنوات لماضية. يتوجه شربجي نحو راب أكثر مفاهيمية وتنويعاً من الذي درج عليه مع "فريق الأطرش"، أما السيد فيحاول إيجاد مساحات مشتركة موسيقياً مع انماط أكثر جماهيرية، وهذا يظهر بشكل خاص في ألبوميه الاخيرين.
 

يقول مازن السيد: "منذ البداية لم أرد أن أقطع الحبل مع هذا المشهد، فالإفرازات العنصرية والذكورية موجودة في النهاية ويجب أن تخرج، وأحد الأشياء التي تعلمناها خلال السنوات أن الحواجز لا توصل إلى مكان. ترجمنا هذا التفكير في المقاربة التي قدمها (الدرويش) (هاني السواح) لمبارزات الراب، وقد رأينا بشكل واضح كم يستطيع هذا المجال أن يتغير، من ناحية الخطاب وتوسيع الحدود، وما فعلناه حتى الآن يعتبر انتصاراً بالنسبة إلينا".

يشكل "الدرويش" (سوريا) مع "الراس" و"محراك" (فلسطين) ثلاثي "المسوخ"، وقد تعاون في ألبومه الأخير "أرض السمك" مع السيد في الإنتاج. تعتبر مشاركات "الدرويش" في مبارزات "الحلبة" The Arena ثورية، لأنها استطاعت تقديم نموذج جديد لم يكن معروفاً في السابق للمشاركين في هذا النوع من المبارزات.

تظهر هذه الثورية في مناسبتين، الأولى كانت مع اللبناني "كلش" الذي لم يتوان عن استعمال لغة تستند على المخزون العنصري اللبناني تجاه السوريين، بينما استوعبه الدرويش بدون النزول إلى مستواه، مستعملاً أسلوباً استفزازياً، لكنه ذكي لغوياً وينم عن فهم بالوضع اللبناني، أما المناسبة الثانية فكانت مع الرابر الأردني "سينابتيك" (يشارك أيضاً في المهرجان) وارتكزت على مفهوم جديد وتجريبي من المبارزة متناقض كلياً مع الذي ينظم في العادة، فعوضاً عن القتال بالشتائم السطحية وبث الكراهية، تبارز الإثنان بالمجاملات التي تعتمد على المبالغة بالحب والقدرات اللغوية لكل مشارك.

لا ينحصر الحضور طبعاً بهؤلاء، فالمهرجان يقدم شريحة كبيرة من المغنيين، أبرزهم الفلسطيني "عاصفة" الذي يعتبر مع "مقاطعة" (لن يتمكن من الحضور) أحد مؤسسي مشهد الراب في رام الله، ولولاه غالباً لم نكن لنرى المواهب التي أخرجتها المدينة لاحقاً التي شكلت أحد أهم مشاهد الهيب هوب في العالم العربي. ينتمي الثنائي الناظر - شب جديد (موسيقى "تراب") اللذان يشاركان أيضاً في المهرجان إلى هذه المواهب الصاعدة، ويمكن اعتبارهما الثنائي الصاعد الأفضل اليوم على الساحة.

كما تُشارك في المهرجان أسماء تقف وحدها، بدون أن تنتمي كلياً إلى الوسط، مثل بلوفايفر ("هيب هوب" بنكهة "بوب") وهي الأنثى الوحيدة التي قررت الدخول إلى وسط يطفح بالذكورية، مع أنها تتبنى للمفارقة خطاباً مشجعاً للإختلاف ومدافعاً عن حقوق المثليين.

بدأت الثلاثاء، النسخة الأولى من "بيروت سكام ويك"، المهرجان الأول من نوعه في بيروت، المخصص لموسيقى الهيب هوب والراب، ويستمر حتى 2 أيلول. وتشارك فيه شريحة متنوعة من الفنانين والموسيقيين الناشطين في لبنان، فلسطين، الأردن، وسوريا، ويضم ندوات وجولات غرافيتي، وليلة مخصصة بمنسقي الإسطوانات بالإشتراك مع "بيروت غروف كولكشن".
للإطلاع على البرنامج الكامل: هنا 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024