روجيه عوطة
فبدايةً، وفي العقود الأولى من القرن العشرين، لم تكن المثلية سوى ضرب من الهزل، الذي يعمد الممثلون، كباستر كيتون، أو شارلي شابلن، إلى تأديتها من أجل "كَوْمَدة" الأفلام، أي جعلها كوميدية، ومفاقمة كوميديتها. بالتوازي مع ذلك، شكلت المثلية موضوعاً درامياً بامتياز، بحيث أن كل حب على متنها لا يؤدي سوى إلى الموت. لكن، ومع أن المثلية شكلت مهزلة ومهلكة في الشاشة الكبيرة، سارعت الفاشيات، ومع صعودها في الثلاثينات، إلى حظرها، عبر حض شركات الإنتاج على صياغة قانون الرقابة، "قانون هايز"، الذي أبعدها عن كل سيناريو، وعن كل استديو.
إلا أن الحظر لن يدم طويلاً، فها هي الستينات الثورية تلوح، وخلالها، تنطلق المثلية في معركتها، أو بالأحرى في معاركها. من هنا، وفي العام 1961، عادت إلى السينما عبر "الضحية" لبزيل دريدن، وقد كان أول فيلم إنكليزي، تُستخدم فيه كلمة "مثلي"، وتدور حكايته حول الحب بين ملفيل فار (ديرك بوغارد) وجاك باريت (بيتر ماك-إنري). وفي السياق عينه، قررت مجموعة من المخرجين الألمان، طرح المثلية في بلدهم، مثل فاسبندر، وروزا فون براونهايم. ومعهم مخرجون إيطاليون، مثل بازوليني في "تيوريم"، وفيليني في "ساتيركون".
وعلى هذا النحو، شرعت المثلية في حضورها سينمائياً، وربما، كانت موضوعتها الأساس، إعلانها من قبل شخصياتها، تماماً كما في فيلم "الإنسي المجروح" لباتريس شيرو العام 1983. وإلى جانب هذه الموضوعة، أخريات، من قبيل الصلة الثنائية، أو المراهقة، وقد برز تناولها على طريقة "كويرية"، بدلاً من الإكتفاء بإبدائها بالإتكاء على منظور عام.
فعلياً، يثبت "حقول الحب" أن المثلية شكلت محوراً من محاور السينما، ليس كموضوع تمثيلي فحسب، بل كطريق لغيرها أيضاً. وهذا، قبل أن تصير هذه السينما منتجة لتمثيلها، وبالتالي، تقيدها به، رغم كونه لا يتيح لها أن تطل، كما هي، عبره. ولهذا، يعمد مخرجون كثر إلى القول إن معركة المثلية حالياً هي ضد تمثيلها هذا، الذي يعبر من الصناعة الفيلمية إلى الصناعة المسلسلاتية، ومن الصناعة المسلسلاتية إلى الصناعة الموسيقية، ومن الصناعة الموسيقية إلى صناعة كل منتج فني، يحاول الكلام بإسمها، فيزيد من تنميطها، وتمتين تصور شائع عنها.