عودة رياض سطوف

روجيه عوطة

السبت 2020/11/07
يعود الفنان السوري-الفرنسي، رياض سطوف، إلى سوق الكتب المخنوق الآن بإجراءات كورونا، ليقدم الجزء الخامس من قصته المصورة "عربي المستقبل" (آلاري). وهذه العودة، وإن ظهرت كتكرار لما جاء قبلها، الا أنها بمثابة استمرار له، وبالتالي، قد تحمل بعض الافتراق عنه. إذ يأخذ سطوف على عاتقه، هذه المرة، رسم مرحلة جديدة من حياته في مدينة رين، غربي فرنسا، وهي مرحلة المراهقة. بالطبع، معروف ولع سطوف بهذه المرحلة، إذ كان قد خصص لها جزءاً من اعماله، لا سيما فيلمه Les Beaux Gosses-2009، الذي دارت أحداثه حول "هرفي" وعلاقته في كلية من كليات رين أيضاً. لكن، في الجزء الخامس من قصته، يذهب سطوف إلى التوسع في تناول المراهقة، وهذا بالانطلاق من فكرة شائعة عنها، وهي انها صعبة لأنها تقع بين مرحلتين، اي الطفولة والرشد.

فعلياً، تحث عودة سطوف على الإشارة إلى ما يهم في سرده التصويري، وهو انه، بدايةً، يتسم بنوع من الرشاقة. وهذه الرشاقة تبرز من خلال تنقله بين فصولها، اي بين كل مجموع من مجاميعها الوقائعية، إذا صح التعبير، بحيث أنه لا يحشر في كل فصل، الكثير من قصته، إنما يكتفي بالقليل منها. هذا ما يجعل التنقل بين الفصول، سريعاً، ويجعل قصتها وتصويرها من قبيله. بالتأكيد، لا يمكن لأي قصة مصورة ان تسير من دون هذه الرشاقة ومن دون هذه السرعة، وسبب ذلك أنهما يقربانها من الحركة البصرية، أكانت فيليمية أو فيديوية، يقربانها بلا أن يجعلاها عليها بالكامل. في هذه الجهة، غالباً ما تنجح قصة سطوف في الحفاظ على السرعة والرشاقة، وهذا لا يلغي انها، في بعض الاحيان، لا تبدو ثقيلة، إنما بالأحرى متوقفة، وتدور حول ذاتها.

دوران قصة سطوف حول ذاتها، وإن كان يحيل الى دوران رسامها حول ذاته خلالها على بغية إتمام اوتو-بورتريه خاص به، بعَيشه، إلا أنه يتعلق بعلوق القصة ببعض الإجراءات. هذه الإجراءات، في الواقع، وعندما تتكرر من جزئها الأول إلى الثاني، تبينها كأنها جزء متماثل: التركيز على الحوار أكثر من الصورة، جعل الشخصية الرئيسية شخصية متلقية اكثر مما هي فاعلة، تشغيل الذاكرة بطريقة مفرطة للمقارنة بين سوريا وفرنسا، التلميح شبه العرضي لمواضيع تستحق التوقف عندها أكثر، حتى لو لم تكن اساسية في سياق بروزها (الإيكولوجيا الخ.) تكرار هذه الإجراءات وغيرها لا ينفي تمكّن سطوف منها، أو من تقديمها، لكنها تجعل قصته متباطئة. وتباطؤها هذا يزيده علوقها بطريقة تبسيطية في موضوع استنزفته مثلما استنزفها، وهو موضوع الثنائية الهوياتية أو الثقافية. ذلك، إلى حد أنها، وفي بعض لحظاتها، تستوي على كونها متوقعة للغاية، لا سيما أن جمهورها المتخيل هو جمهور محدد مسبقاً: الجمهور الذي يعمد سطوف الى إخباره أو لا يتوقف عن إخباره ان فرنسا أفضل من بلدان أخرى، وأن العيش فيها أفضل من العيش في غيرها. هذا الخبر، وعندما يتواصل قوله، يبدو أنه يظهر الجمهور المتخيل كما لو انه يحتاج دوماً إلى التأكيد على قيمة عيشه، كأنه غير مقتنع به، وكأن عيشه هنا يستلزم مقارنته بعيش هناك من أجل الاقتناع به، وكأن عيشه، ومن دون هذه المقارنة، يبدأ بالتكشف عن كونه ليس على تلك القيمة.

على أن قصة سطوف، وعلى بعض مقالبها، تفترق عن إجراءاته اياها، وهذا بالانطلاق من  سردها. أكان من ناحية اختلاف وقائعه من جزء إلى ثانٍ بالتأكيد، او من ناحية سِمته، أي التهكم. إذ إن هذا التهكم قد تزايد بين الأجزاء، وهو، وإن ظهر، ومثلما يقول نقده، سطحي، ولكنه، ينطوي على نوع من الهضامة، التي تجعل القراء، وفي بعض لحظاتها، يضحكون. وفي الغالب منه، يصدر التهكم من وضع الشخصية الأساسية، بحيث تتناول تتطوراتها به، وهذه التطورات تبعث عليه حين تأتي من صنيعة الصدفة، أو تأتي غير مألوفة. فيتلقى سطوف  تطورات عيشه كأنها مصير مفاجئ، ولا دخل له فيه، وبهذا، يحاول التخفيف من وقعه بتهكمه، الذي يلازم مسيرة "العربي" من ماضيه الى "مستقبله".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024