بيروت صحراء من قمح

محمد حجيري

الخميس 2021/04/01
المصوّر ضياء مراد الذي زار مرفأ بيروت، برفقة المهندس ايمانويل دوراند (الذي يجري دراسة تحليلية هيكلية لتحديد ما إذا كان بامكان الصوامع التماسك وعدم الانهيار)، التقط مجموعة من الصور للصوامع "الصامدة" في وجه الانفجار الضخم. وتظهر الصور شيئاً من واقع الحياة اللبنانية المتصدّعة، أو ما هو مرآة لهذه الحياة التي وقعت فيها الواقعة، وباتت في وضع لا تُحسد عليه، من وباء كورونا و"خبيصة" المواجهة في خضم الفساد الإداري، إلى أكبر انفجار في التاريخ و"خبيصة" تحديد المسؤولية والمسؤولين وصاحب نترات الأمونيوم، إلى أخطر أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد وقد التهمت الدولة والمصارف أموال المودعين، وذلك كله في مئوية تأسيس هذا البلد الصغير وسط إقليم تعصف به الحروب والرياح السامة والايديولوجيات الثقيلة والأطماع التي لا تنتهي...
 
كأن صورة الصوامع فعلاً تختزل المشهد اللبناني وحياة اللبنانيين، عدا دمار الصوامع وصمود جانب منها. يقال إنها ساهمت بقوة في إنقاذ بيروت والتخفيف من ضغط الانفجار الهائل. هناك جذوع بعض الأشجار الخالية من أي خُضرة، ربّما يابسة، أو ميتة وقوفاً. أكوام الحبوب (القمح والذرة) الباقية من أثر الانفجار، وقد باتت من بعيد تشبه رمال الصحراء. تلك الأاكوام تصير "جميلة" في الصورة، إذ مشى فوقها رجل وخرّب مشهدها، وترك خطواته المنتظمة، التي تذكّرنا أيضاً بالخطوات التي تتركها الأقدام على بساط الثلج.

تلك الحبوب المكومة عند اهراءات القمح، تعيدنا إلى عناوين خليل حاوي الشعرية التشاؤمية والانبعاثية، مثل "بيادر الجوع" ونهر الرماد". فاللبنانيون الآن، باتوا يتقاتلون على عبوات الزيت وأكياس السكر، تدرجت كوارثهم البيئية والاقتصادية والمالية إلى درجة أنهم أصبحوا أسفل السلّم العالمي... ولبنان في حالة "مقعد/ ولا أهل لا بيت حَسْدا كسيح ولا مسيح"، كما يقول الشاعر توفيق صايغ في معلقته. أو "كسيحٌ أنا اليوم كالميتين أنادي فتعوي ذئاب الصدى في القفار: كسيحْ كسيحٌ وما من مسيح"، كما يقول بدر شاكر السيّاب في مرثيته للويس مكنيس. وحال لبنان الأعجوبة أنه بحاجة الى صانع معجزات، ويفتقده، لبنان فاقد لمخلّص حقيقي يشفيه من أزماته وينقذه من أشراره.

الشيء الوحيد الذي يعطي جانباً من الأمل الرمزي، تلك الأسراب من الحمام واليمام التي تغط وتأكل من أكوام الحبوب الملوثة، لكننا لا نعرف مصائرها إذا ما صنَّفت المختبرات تلك الحبوب بأنها غير قابلة للاستهلاك، وهي محترقة وملوثة ويمكن استعمالها في صناعة المعقمات...

عدا عن مشهدية الصحراء في الصوامع، ربما بات السؤال عن مصير الصوامع نفسها: هل ستدمر؟ أم ستبقى نصباً تذكارياً شاهداً على الويلات التي صنعتها السلطة اللبنانية "بأديهيا" كما تغني ماجدة الرومي؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024