ماذا بعد مجادلته؟

روجيه عوطة

الإثنين 2019/06/17
ثمة شيء ينقص الجدال الذي يدور كل مرة، بعد أن يرمي جبران باسيل ترهة من ترهاته العنصرية، مواصلاً حربه على اللاجئين السوريين في لبنان، وهو طرحه لسؤال أساس: كيف يُمكن إيقاف صهر العهد، كيف يُمكن إيقاف ما يواظب عليه منذ فترة طويلة؟  البحث عن أجوبة عملية على هذا السؤال يجعل الجدال فعالاً، أو مفيداً، في حين أنه الآن ليس سوى رد فعل متكرر، لا يؤدي إلى أي حل أو مكان، لا، بل ان الصهر اياه يستغل رد الفعل هذا لكي يقدم نفسه لجمهوره على أنه بطل، والدليل، أنه يستكمل ما بدأه قبلها.

لكن، فعلياً، ماذا تعني مجادلة باسيل؟ ماذا تعني مجادلة من يتكلم عن "تفوق جيني"؟ ماذا تعني مجادلة من يعتقد بـ"مؤامرة" عليه، ويريد التصدي لها بتدمير المخيمات على رؤوس قاطنيها؟ في العادة، المجادلة تقتضي اشكالية ما، أو اختلافاً بعينه، أو تشترط إبهاماً في موضوعها، إلا أن ذلك كله ليس متوافراً البتة في وضع الوزير العبقري، إذ أن خطورة قراراته، خطواته، سياسته على عمومها، وسوئها، واضحة للغاية، إلى درجة تجعل هذا الوضوح تافهاً. في إثر ذلك بالتحديد، لا يمكن لمجادلة باسيل أن تدور سوى لتسقط في فخ نصبه سلفاً لها، أي فخ مبالغته بكل ما تدينه به، محولاً اياه إلى وجهته، وحديثه، وعنوانه.

فهو كان قد قال ذات خطبة "نعم نحن عنصريون لبنانيون". ومن يكون هذا قوله المستمر، ومن يهدد بهذا القول حيوات اللاجئين، عامداً إلى "مكافحتهم"، لا مجال لمجادلته، التي، وإن حضرت، فيكون قوامها نوع من الحماقة: الافتراض ان صهر العهد سيتغير بعد مجادلته أو أنه في الأساس يهتم بأن يكون طرفاً فيها.

قَلَب باسيل مجادلته إلى علامة على "تميز" سياسته، وبذلك، لم تعد تواجهه في مساره، بل إنها تقف على جانبي هذا المسار، أو حتى تبقى خلفه، وكأنه يستمد منها طاقته، "الايجابية" بحسبه. لقد قلب المجادلة إلى موسيقى تصويرية، يعمل ضدها، وفي الكثير من الأحيان، يسميها "سيمفونية"، متهكماً عليها، بمعنى أنه اعتاد عليها، وصار يتوقعها من دون أن تترك فيه أي أثر. استدخل باسيل مجادلته، التي حلت لحظة التنبه الى كونها تعيد إنتاج الصهر، مثلما أن الصهر يعيد إنتاجها. ولكي لا تفعل ذلك، لا بد من انتقالها إلى مستوى آخر، إلى مستوى عملي، مسنود بدعوة مباشرة إلى تجريد باسيل من منصبه. أقيلوه!

لكن، من يقدر على إيقاف صهر العهد؟ من يقدر على إقالته؟ السنوات الماضية، أجابت بلا أحد، ليس لأنه، وعلى صفة أرادها لجمهوريته، قوياً. بل لأنه، وفي صعوده، وهو محاكاة كوميدية لصعود اليمين العالمي الذي يحبه، يمارس فعلاً مألوفاً في البلاد، أو بالأحرى يمارس فعلاً طعنت البلاد الكسولة فيه، وهو إعادة إحياء أوهام ميتة ومنتهية الصلاحية بدلاً من الإعداد لجنازتها، ودفنها. في هذه الجهة، يعيد إحياء إطار وهمي يسمى "الهوية اللبنانية"، وبذلك، يحقق لخصومه ولحلفائه من معسكري الممانعة واللاممانعة، ما يتطلعون إليه، أي "الوطن" الذي يرتفع على مجزرة، أياً كان شكلها، بحق "الغرباء" فيه وخارجه. وهذا "الوطن"، في الواقع، هو حاجة "الكل" الذي كان قد شرع في تكوينه، تاركاً مهمة ترويجه للصهر. ما كان باسيل ليذهب إلى اعلان وطنه هذا على أساس عدد من الأباطيل، التي من المرعب أن تقنع أحداً، لولا أن سياسته هي اختصار سياسة الكل. وبعبارة أخرى، لولا أن الباسيلية هي خلاصة هذه السياسة، ولولا أنها حاجتها. إذ أنه لا يستمد "حيويته من مشروعه"- وهذا ما تؤكده دعايته بالانطلاق من تقليد كاريكاتوري للماكرونية- إنما من الكل، من تشجيع الكل له على التأطر في وهمٍ فتاك. فكيف من الممكن إيقاف الصهر من دون إيقاف "كلّه" أيضاً؟

في كل الأحوال، يبدو أنه وبعد مؤتمر البلديات، سيزداد وينتشر القمع الممنهج للاجئين في لبنان، بالتالي، وإذا كان للكلام معنى بعد، يجب وقف هذه المذبحة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024