مهرجان "بابيود" للرقص المُمانع والمُقاوم

روجيه عوطة

الجمعة 2019/04/05
مضحك كيف روجت صحيفة لبنانية، لمهرجان "بايبود" للرقص المعاصر في بيروت. إذ ختمت عرض برنامجه بالإشارة إلى أن القيمَين عليه، وهما عمر راجح وميا حبيس، يهجسان في "الخيارات الجمالية والرؤية العامة التي يحرصان على عدم التنازل عنها، تحت أي ضغط أو ظرف من قبل الشراكات مع السفارات والمراكز الثقافية الأوروبية والحكومة اللبنانية وبعض الوجوه السياسية التي دعمت المشروع". فتبدو الصحيفة وكأنها تلخبط بين المهرجان وبين محورها "الممانع والمقاوم"، فتسقط الثاني على الأول لتقدمه كظل من ظلاله، أو كامتداد له، كما لو أنه صار نشاطاً من نشاطاته. بالتالي، يصير "بابيود" مهرجان "الممانعة والمقاومة"، ويخيل لمتلقي خبر تحوله إلى ذلك أن مفتتحه هو.. وفيق صفا!

لكن كوميدية ترويج الصحيفة للمهرجان يتعدى اسقاطها لمحورها، أو ما يسمى سياستها، عليها، إلى كونها، وباسقاطها هذا، تظهره متعرضاً لمؤامرة شبه كونية على أرضه المحلية. وسبب تعرضه هذا هو "الخيارات الجمالية والرؤية العامة"، التي تهرع "السفارات والمراكز الثقافية الأوروبية والحكومة والوجوه السياسة التي دعمت المشروع" إلى الضغط على راجح وحبيس من أجل تغييرها، أو من أجل الإقلاع عنها. وهنا، يلح الاستفهام عن تلك "الخيارات"، و"الرؤية"، التي اجتمعت كل تلك الأطراف لإزالتها، فما هي وما هو مضمونها؟ وهذا، في حين أن المهرجان هو كغيره من المهرجانات، وهذا، حتى لو انفرد بتقديم فن محدد، وهو الرقص المعاصر.

غير أن ما يجعل ترويج الصحيفة للمهرجان، كوميدياً أكثر، هو أنها تجعله، وبحسب منطقها الخبري، يعي المؤامرة عليه، وفي الوقت عينه، يشارك فيها. فالمهرجان يتلقى الدعم من كل تلك الأطراف، التي تتآمر عليه، بالضغط والتظريف، لتحضه على التنازل عن "خياراته ورؤيته". لكنه، من ناحيته، يأبى ذلك، ويستمر... في الاستعانة بها. على هذا النحو، ليس المهرجان "ممانعاً ومقاوماً" سوى لأنه شريك مع الذين يجتمعون ويتفقون عليه، لكنه، والحق يقال، شريك واعٍ ورافض، بحيث يتصدى لكل ما يتعرض له من قبلهم، ويصمد أمامهم عبر مواصلة تلقيه الدعم منهم. وفي هذا، تنطوي "ممانعته ومقاومته" على شيء من "الحربقة" اللبنانية، أو بالأحرى على النسخة الركيكة منها، التي تجعلها مجرد "احتيال"، بحيث أن المهرجان يعرف كيف يحصل على الدعم من الأطراف التي تريد نزع خياراته ورؤيته منه، من دون أن يستسلم لها. فهو، وبعبارة أخرى، يستفيد منها، ولا يفيدها، وهذا، لأنه يعتقد بكونها، وعلى الدوام، خصمه، الذي يصبح الحصول على دعمه منها بمثابة غزو وسلب له.

وتتفاقم كوميدية الترويج، مع تصوير كل الأطراف الداعمة لمهرجان، وكأنها، من ناحية، صاحبة باع في "الخيارات الجمالية"، التي، وفي حال حضرت في بالها، تكون متطابقة للخيارات "البايبودية". كما أنها من ناحية أخرى، خرقاء، لا تعلم أن المهرجان الذي تدعمه، يستفيد منها ولا يفيدها عن قصد وتصميم. وبذلك، ثمة نظرة إليها تتصل بنظرة "ممانعة ومقاومة" عنها، لا سيما عن "السفارات والمراكز الثقافية الأوروبية". إذ إنها أطراف، وأياً كانت قوتها التآمرية، غبية. تهتم بالخيارات الجمالية، وهذا في ظنها دليل ضعف، وفي حين اهتمامها بذلك، يكون المهرجان قد حصل على دعمه منها. أما بعد ذلك، فلا يساوم في موضوع اهتمامها حتى. وبهذا، يبدو كمن "يستلمها" أو يضحك عليها، الأمر الذي يتيحه له جهلها. طبعاً، وفي ظن الصحيفة المروجة، أي في ظن "الممانعة والمقاومة"، ذلك الجهل هو نفسه الديموقراطية، التي تساويها معه، ومعه الضعف والتقاعس عن الإمساك بزمام الأمور.
على أن ذروة الكوميديا في الترويج إياه ان صحافته هي صحافة بيروت الثقافية!
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024