سمير اليوسف..لماذا حظيت بيروت بتضامن لم تنله دمشق وبغداد؟

المدن - ثقافة

الجمعة 2020/08/07
لماذا حظيت بيروت بكل هذا القدر من الحب والتضامن، في حين لم تحظ بغداد أو دمشق يوماً بهما، رغم أن هاتين العاصمتين من أعظم مدن الشرق الأوسط؟
حباً بلبنان؟ ليس بالضرورة.
انحيازاً للبنانيين؟ لا اظن.

لكن بيروت، ومنذ خمسينات القرن الماضي، لم تكن مجرد عاصمة أو مدينة لأهلها فقط.
بيروت مدينة كوزموبوليتية (عالمية)، ومدينة من هذا النوع لا تكون حكراً على أحد، ولا حتى على أبنائها الأصليين. إنها، بطبيعتها، مدينة مضيافة، تستقبل كل قادم، بل وتشجع الناس على زيارتها والإقامة فيها واتخاذهاً وطناً.

الأمر تغيّر مع حرب 1975 من دون شك. لكن رصيد بيروت كمدينة، لم يُستنفد. الناس، من أنحاء العالم، ما انفكوا يتذكرون بيروت ويتحسرون على ما جرى لها. حتى خلال الحرب، حافظت بيروت على قسط من طابعها الكزموبوليتي. عشرات المعارضين السياسين العرب (خصوصاً العراقيين) فرّوا من بلدانهم وجاؤوا الى بيروت، رغم ما كانت تعانيه من ويلات الحرب. أن تهرب من بلد لا حرب فيه، الى مدينة قد تتحول في أي لحظة الى ساحة وغى، فهذا دليل على أن الذين لجأوا اليها رأوا الوجه المضياف، رغم انعدام السلم.
الى ذلك، فإن هذه المدينة العجيبة كانت دائماً تنتهز فرص السِّلم، لكي تعيد بناء نفسها على المثال الذي كانت عليه قبل الحرب. وليس فقط بمعنى الإعمار، وإنما بمعنى التعالي على الهوية المحليّة والانفتاح على بقية العالم، رغم المحاولات المتكررة لقوى سياسية عديدة من أجل تحويلها مجرد مدينة محليّة.

خذ على سبيل المثال "ثورة 17 تشرين".. بنات وأبناء هذا البلد، المحكومون بالهوية الطائفية، سياسة وثقافة، أفلحوا في التعالي على هوياتهم الطائفية والارتقاء نحو هوية سياسية أرقى، ليست لبنانية فحسب، بل كونيّة أيضاً. اللبنانيات واللبنانيون الذين انضووا في هذه الثورة، لم يثوروا ضد نظام سياسي فاسد فحسب، وإنما ضد أنفسهم أيضاً، ضد ما ما تعلموه في المدرسة والطائفة من أمر هويتهم الطائفية.
كيف حصل هذا؟
هناك، من دون شك، أسباب عديدة لا مجال للخوض فيها هنا. لكن، في تصوّري، أحد أهم هذه الأسباب هو بيروت نفسها. أنها منحت المتظاهرين فرصة تبني الانتماء الى عالم فوق الهويّات السياسية الضيقة.

أذكر حينما كنت أتابع أخبار الثورة، من لندن، كنت أحسّ بأني لا أشاهد لبنانيين أو عرباً، وإنما مواطنين ينتمون الى العالم كله، او ما يُعرف، بالكزوموبوليتين، أي مواطني العالم.

(*) مدونة نشرها الكاتب الفلسطيني سمير اليوسف في صفحته الفايسبوكية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024