محمد عباس: ( هل تعرفني...)

عمر ابراهيم

الخميس 2013/02/28
 افتتح غاليري "آرت لاب" في الجميزة معرضاً للفنان التشكيلي السوري محمد عباس يستمرّ حتى السادس عشر من شهر آذار 2013.
يضمّ  المعرض مجموعة من الأعمال بأحجام مختلفة تتراوح ما بين أعمال الرسم الزيتي  والفحم، مجسّدة رؤية الفنان لواقع يومي معاش. يبدأ العرض بلوحة مصنوعة من مادة الفحم هي مشروع تخرّجه عام 2005 وتمثّل صرخة احتجاج على الوضع الإنساني والسياسي القائم آنذاك. يتحدث  فيها وعلى مساحة فراغ رمادية قائلاً: " إحذروا أيها البشر... هذا ما آل إليه حالنا في عالم استهلكتنا فيه علاقات المادة المعتمة وابتعدنا فيه عن جوهر إنسانيتنا الحقيقي".
أعمال الفنان عباس المنفّذة بتقنية واقعية عالية قلّ ما بتنا نشاهد لها مثيلاً في أعمال معاصريه الحداثيين. فقد حافظت لوحته على نكهة الواقع المعاش مع تزوّدها بزخم تعبيري كبير بالخط واللون والحس الناقد للشخصيات التي تتموضع فيها بشكل متعمد كما لو أنها تأخذ صورة فوتوغرافية ولكن هذه المرة لتحولاتها - اللاإنسانية - وتحوير وجودها إلى حيوانات متماثلة ضمن قطيع بشري مسيّر وعيه من قبل مؤسسات متعددة كالأسرة والمدرسة والحكومات ووسائل الإعلام. كل ذلك يعمل عليه الفنان عباس ضمن مساحة فراغ شاسع من اللون الرمادي بتجلياته وتدرّجاته المختلفة. 
لوحات الفنان عباس تسجل موقفاً رافضاً ومعانداً لمحاولات التشييء والتنميط وثقافة القطيع الواحد وقوالب المجتمع الجاهزة. ومع هذا لا يخلو الأمر من بعض الشخصيات داخل أعماله والتي تبرز بألوان مغايرة أحياناً كاللون الأحمر أو البرتقالي أو الأصفر ( الألوان الحارة إجمالاً) في محاولة لكسر السياق العام ضمن فراغ العمل محاولاً إظهار بعض الحالات الفردية التي تخرج بوعيها الشخصي عن الوعي الجمعي العام، لتقول بتفرد إنها موجودة ككائنات لها خصوصيتها وحريتها وطريقتها بالتفكير عما هو سائد. لكنها مع ذلك تبقى مشدودة بالغالب إلى الجماعة التي تنتمي إليها بطريقة أو بأخرى في محاولات حادّة للتحرر... للانفكاك والانعتاق.هذا كله ضمن تركيبها البنائي والبصري الجامع بينها ( كما في لوحة تمثل تموضعPosition  مجموعة من الخراف ضمن مشهد جماعي).
فراغ العمل لديه ضبابي غير واضح المعالم. هل هو فراغ لوني خالص، أم جدار لسجن، أم لحائط من قطعة عسكرية؟ تحتار بينها لكنها تجمع على مقولة حدسية ولونية واحدة... (الرمادي).
ومن ضمن تلك المجموعة من الرماديات في العمل، تبقى المساحة الملونة منه هي الجزء الوحيد الباعثة للأمل، للنور وللتحرر.
أسأل محمد: "هل يحق للفنان أن يكون متشائماً في عالم يطالبه بتصوير الجميل بحكم مورثنا الثقافي حول رسالة الفن الجمالية؟". " نعم"، يجيب الفنان عباس. "بما أن الفن هو أبعد من الرؤية الجمالية حين يحمل رسالة تعبيرية ووجودية وتسجيلاً في بعض الأحيان للحظة درامية ملتزمة بتاريخ الإنسان وعناصر وجوده".
 
ولد الفنان محمد عباس سنة 1984. خريج كلية الفنون الجميلة دمشق- سوريا/ قسم التصوير. يعمل حالياً في بيروت. معرضه الحالي هو معرضه الفردي الأول، هذا بالإضافة إلى مشاركاته في العديد من المعارض الجماعية. 
 
 
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024