لارا تابت في "Underbelly".. جثث نساء في بيروت

جوزيف الحاج

الإثنين 2019/01/28
جثث نساء، في أماكن مختلفة من قاع المدينة وأمكنتها المنعزلة. إنه "Underbelly" عمل لارا تابت الأخير، تجهيز فوتوغرافي يقتفي أثر قاتل متسلسل مفترض في بيروت (يُعرض في غاليري "جانين ربيز"- بيروت، حتى 20 شباط).

استوحت تابت الفكرة من رواية للأميركي اللاتيني روبرتو بولانيو(1953- 2003) وعنوانها "2666"، تؤرخ لمقتل أكثر من مئة امرأة في مدينة مكسيكية، مع تحقيقات الشرطة المحلية "العقيمة". حوّلت لارا تابت الرواية إلى سرد فوتوغرافي ملتقط بكاميرا من القياس الكبير، وبالألوان، أما الجرائم المفترضة فقد وقعت في مدينة أخرى هي بيروت. لفّ الظلام صالة العرض التي حضنت هذه الأعمال، لتخطف المشاهد إلى عوالمها الليلية المرعبة، بإضاءتها الإصطناعية الخفيفة، تمثّل العبث بالزمن وبالمكان.

إلى جانب كل صورة، واحدة أصغر حجماً، وُضعت بشكل أفقي، يخالها المشاهد وكأنها لعوالم فلكية غريبة، لا تمت إلى المرئي المألوف بصلة. لكنها في الواقع، صور ميكروسكوبية لإفرازات بشرية، دائماً ما ترصدها تحقيقات الشرطة، التي لا تتوصل إلى أي نتيجة، مترسبة على تلك الجثث المجهولة المنتشرة في "قاع المدينة".

مرجعية لارا تابت الطبيبة الفنانة - فرع من الطب هو الشرعي، تلفت إلى علاقته بالفوتوغرافيا منذ بدايتها، وإلى هذه الممارسة التي تحاول فك أسرار ودوافع الجريمة، واستعانته الواسعة بالصورة كأداة لجمع الأدلة، وإلى التخيل الأدبي والمرئي. كما بولانيو، وزعت تابت الجثث على ضواحي المدينة، مجسّدة نظرة الروائي إلى المدينة المعاصرة المليئة بالشر الكامن في زواياها المعتمة.

بما أن التصوير النهاري والليلي لا يزال يثير الشبهات عندنا، تعرّضت تابت في أثناء التصوير لمساءلة الشرطة التي استجوبتها مراراً بتهمة التعدي على ممتلكات الغير. تستخدم الفنانة التصوير الفوتوغرافي كأداة تستكشف المساحات الحياتية القصوى.

تحاكي صورها عالماً ممسوخاً، وعبثياً. جزء من عالم معولم في اضطرابه وظلمته، حيث غلبة الشر، ترسم خريطته المكانية والزمنية. صورها نظير متخيل للمدينة المكسيكية وعصابات المخدرات وحروبها الدموية، حيث وقعت أحداث رواية بولانيو التي تسرد جرائم قتل نساء لم يأبه أحد لقتلهن، نسيتهن العدالة وأهملتهن بينما عبارات مثل "الإغاثة الإنسانية" و"حقوق الإنسان" تتردد على الألسن. إنها "مرآة إحباطاتنا وتأويلنا الخاطئ لحريتنا ورغباتنا ولعنتنا"، كتب بولانيو. جرائم فظيعة تجعل المدينة جهنم الأرض. ذلك هو سر الشر الذي يلازم العولمة مثل ظلها، «واحة فظاعة في صحراء ضجر» - يستشهد بولانيو بشعر بودلير. "لقد أقام الموت عرشه في مدينة غريبة مرمية وحدها" تستشهد تابت بإدغار ألان بو.

"Underbelly" عمل فني مرجعيته الطب، يتناول العلاقة بين الفرد والفضاء العام، وما تعلق بالجندر والجنس والهوية. نظرة نسوية ضد العنف وتخريب أدوار الجنسين.

رحلة فوتوغرافية ليلية ملعونة، تختلف عن صور الأميركي ويجي (1899- 1968) الذي صوّر جرائم الليل في أميركا الثلاثينيات. وتنقل في الجحيم، رحلة أسطورية لا تعرف نهاية. تصف ملابسات اكتشاف الأجساد والتمثيل بها. علامة زمن يهان فيه جسد المرأة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024