رسالة مقاوم محبط إلى شيخه

أسعد قطّان

الأربعاء 2019/11/27
بلى بلى إنّه الخوف.
لا شيء غير الخوف يجعلك تتغطرس وتتفرعن وتغترّ بقوّتك فتصوّب عصيّك إلى صدور الناس العزّل الذين فتحوا صدورهم للشمس كي يستردّوا كراماتهم.
من يصدّق أنّك تخاف إلى هذه الدرجة من صراخ المقهورين وأنين المحرومين؟ من يصدّق أنّك تخاف من عيون الأطفال حين يعانقون البيارق ويتبخترون زهواً في الساحات؟ من يصدّق أنّك تخاف من الناس حين يحتفلون ومن الشباب حين يغنّون ومن الوطن حين يتغيّر؟
من يصدّق بعد أنّك صوت الإمام عليّ الذي علّى صوت الحقّ وقضى شهيداً للحقّ؟
من يصدّق بعد أنّك تحبّ الحسين الذي تغرورق عيون المسيحيّين قبل المسلمين بالدمع حين يستعيدون تاريخه المدمّى ويستحضرون حكايته التي صارت أقوى من غيّ بني أميّة؟
من يصدّق بعد أسطورة المقاومة وقد تحوّلنا إلى زعران يشبّحون على بنات بلدهم وشباب بلدهم لأنّهم يرفعون أصواتهم ويطالبون بقسطهم من الشمس النظيفة والهواء النقيّ؟
لقد اتّسعت مقاومتنا في الماضي وغطّت حدود الوطن. ولكنّها اليوم تنقبض وتنكمش على إيقاع ثلل من غواة العنف يهتفون للطائفيّة «شيعة شيعة»، ويحملون أعلاماً تشبه رقصة الموت. هل هذا هو الوطن الذي وعدتنا به: وطن التشويه والتكسير والترهيب واستباحة حقوق المستضعفين في الأرض؟ وطن يستعبد الناس لمنطق الكبت والعنف والتخويف وقد ولدتهم أمّهاتهم أحراراً؟
كم كنّا ساذجين حين صدّقناك! صدّقنا رنّة الأنبياء في صوتك وكذّبنا الأفواه المكمومة والحرّيّات المسلوبة والعيون المقموعة. ولكن كيف نضحك بلا حرّيّة؟ وكيف نبكي بلا حرّيّة؟ وكيف نقاوم بلا حرّيّة؟
لقد تضخّم السلاح بين أيدينا يا سيّدي واستفحل الغيّ في صدورنا. فمن يصدّق من اليوم فصاعداً أنّنا لم نتحوّل بعد إلى سفّاحين؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024