"سيلفي" والمجتمع خلفي

ميموزا العراوي

الجمعة 2015/06/19
تقدم صالة "آرت سبيس" في شارع الحمرا، معرضاً فنيا مشتركاً للفنان العراقي محمد الشمري والفنانة الإيرانية سارا نيروبخش، تحت عنوان "سيلفي-2". بالرغم من أن كلمة "سيلفي" هي عبارة تُطلق على الصورة الشخصية التي يقوم صاحبها بإلتقاطها لنفسه وغالباً بهدف نشرها في مواقع التواصل الإجتماعي، فإن الأعمال المعروضة لكلا الفنانين تخرج عن هذا المعنى الحرفي والبسيط للكلمة، لتطل من علو شاهق على آفاق تحوّل الشخصيّ إلى العام، وتداعيات هذا التحول.

العام، في أعمال الفنان العراقي، الذي بدأ حياته الفنية في الفن التشكيلي ومن ثم انطلق إلى عالم الصورة الرقمية، يعتمد على إظهار التناقضات التي يعيش فيها الرجل العربي من ناحية التركيز على التقاليد الإجتماعية وإن كانت تلك المتحجرة التي لا تنتمي إلى عالم الإنسان المعاصر.

في الصور الفوتوغرافية المشغولة بتقنية الكومبيوتر، يقدم الفنان ذاته كمظهر لنتائج القيود التي تحدّ من ذاتية الرجل العربي وتدخله في انعزالية مريضة تسلبه في العديد من الأحيان من انسانيته.

يُدخل محمد الشمري إلى عالمه الفني الديجيتالي، عناصر وأشياء معروفة، كالعباية الشرقية والمسامير ولكن ليوظفها بشكل مبتكر، يعطي للأعمال معناها المُراد التعبير عنه. فالمسامير "تجمد" الرجل الغامض الملامح من خلال تصوير مسامير وقطع حديدية رقيقة لا تخترق جسده، بل تثبت عبايته فتمنعها من أية حركة خارج "القالب" المطلوب. في صور أخرى تصبح العباية هيكلاً فراغياّ لا يقبع داخله إلا الشبح-الرجل المسلوب من حسية الحضور وثقله.

في بعض صور أخرى، ينسحب عليها اللون الأحمر المنفذ غرافيكيا، تضهر ملامح وجه الفنان ما بين جموع محتشدة لرجال تختفي وجوههم من تحت مشالح الرأس. تعبير عن الوحدة في صميم الزحمة المتجانسة التي لا يختلف فيها رجل عن الآخر إلا بطريقة ستره لتقاسيم ومعالم وجهه.

إذا كان الفنان العراقي محمد الشمري، مسيطراً كل السيطرة على نصه الفني لناحية التقنية وما يريد أن يعبّر عنه من خلالها، فإن الفنانة الإيرانية سارا نيروبخش، بالرغم من التقنية العالية التي تتميز بها الصور التي صممتها إخراجياً قبل أن التقطتها، ربما تعيش نوعاً من التناقض ما بين أعمالها المعبرّة كل التعبير عن مجتمع إيرانيّ محافظ، بل يضغط بكل قوته على المرأة بشكل خاص، وبين ما تقوله في تقديمها لأعمالها: "الفن تعبير عالميّ، لذلك الفنان لا ينتمي إلى بيئة دون أّخرى. أما أن الفن الذي أقدمه لا ينطلق من بيئة خاصة ومؤثرة، لا ينتمي إلى البيئة الإيرانية، فهذا أمر لا يعنيني. ما يعنيني هو التعبير عن الإنسان بشكل عام".

قد يضع هذا القول المشاهد أمام احتمالات عديدة: إما أن الفنانة تتجاهل عن قصد أو عن غير قصد ما تعلن أعمالها من التصاق شبه تام بما يعتمل داخل البيئات المحافظة من قمع للمرأة وأسرها، ضمن صورة الأم المفصولة عن أنوثتها كامرأة متكاملة لا تصنفها وتختصرها الوظائف التقليدية التي تمارسها... أو أن الفنانة تبنّت هذا النوع من الخطاب الفني لأنه رائج ومطلوب في سوق الفن كي تعتمده "البيناليات" العالمية والمعارض الكبرى.

مهما كانت الأسباب التي أدت إلى تكوين هذا النص الفني، فإن حميمية خاصة ترشح من معظم أعمال سارا. حميمية غارقة في الحزن، منكفئة على ذاتها، ومتواطئة مع ثقل الوقت الذي لا يمر. نوع من الرضوخ شبه القدري إلى تطبّع وتأقلم مع جرح مكتوم جرى نحته وصقله عبر السنين.

نذكر من هذه الأعمال امرأة محاطة بقطن تغزله بهدوء وصبر غريبين، وصورة أخرى لذاتها، أي الفنانة، تضعها في اتصال مباشر مع صورتها في المرآة، أما المرآة هذه فهي ليست إلا نظرة المشاهد إليها، وهي تحدقّ بالمقابل، في نظراته. على أن الفنانة الإيرانية حصلت على شهادة الماجستير في الفنون في جامعة طهران. وهي منذ تخرجها تعمل كمصورة فوتوغرافية محترفة، ورسامة تشكيلية، كما تقرن بعض أعمالها تلك بفيديوات تجهيزية تدعم بها صورها ولوحاتها المعروضة.


يستمر المعرض حتى 27 حزيران/يونيو في صالة "آرت سبيس" الحمرا - بيروت.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024