بولين آرمانج: في مديح كره الرجال

روجيه عوطة

الأربعاء 2020/11/18
حين نشرت دار monstrograph  كتاب بولين آرمانج، "أنا، الرجال، أكرههم"، سرعان ما تبلغت من الدوائر الرسمية تهديداً برفع دعوى ضدها في حال لم تسحبه من السوق. فكتاب آرمانج، وبحسب تلك الدوائر، بمثابة نشيد مدبج من أجل الدفع إلى كره الرجال، إذ يدعو إلى العنف ضد جنس معين، وبالتالي، يخالف القانون. في إثر هذا التهديد، توقفت الدار عن توزيع كتاب آرمانج، لكن، وخلال فعلها ذلك، كان الطلب عليه قد صار شديداً. وهذا ما أدى إلى شرائه من قبل دار "سوي" التي تكفلت بإعادة نشره. أما الدوائر المُهدِّدة، فتراجعت بحجة أن الموظف الذي أبلغ برفع الدعوى قد فعل ذلك من عندياته.

على أن آرمانج، وقبل التراجع الرسمي ذاك عن منعها، كانت قد ربحت معركة حريتها سلفاً. وهذا لأنها، وقبل أن تتهمها الدولة بكره الرجال، كانت قد جعلت من هذا الكره مشروعها من دون أن تتستر على ذلك. فمن المعروف ان تلك التهمة غالباً ما توجه الى الحركات النسوية، ولهذا السبب بالتحديد، عمدت آرمانج إلى تحويلها إلى مقولتها، مؤكدة عليها بالانطلاق من كونها ليست خطيئة. على العكس، كره الرجال، ومن دون أن يكون مقصده العنف بالمطلق بحقهم، يفضي إلى إعادة التكتل النسوي بطريقة حيوية. فبحسب آرمانج، لا بد من ذلك الكره، لا بد من التمسك به، وعلى هذا النحو، لا بد من المحاججة دفاعاً عنه.

فعلياً، تفصل آرمانج بين كره النساء وكره الرجال. إذ إن الكره الثاني ليس مجرد مرادف للأول، إنما هو موقف قائم بذاته، ووضعه هذا، يتمحور حول كونه موقفاً مقاوماً للطغيان الذكورية. كره النساء هو كره منظم، ويمكن الاضافة انه منتظم، بحيث أن كل الطرق في المجتمع تؤدي اليه، وفي الكثير من الاحيان، تُبديه مألوفاً. وفي السياق نفسه، ذلك الكره بمثابة عصارة انفعالية، إذا صح التعبير، لكل ما يُرتكب بحق النساء، من الاستغلال إلى القتل. باختصار، كره النساء هو كره ينتجه النظام، ومن يزاوله لا يبدو انه يخالف شيئاً ما، بل، على الاغلب، يحل ملتزماً.

إلا ان كره الرجال ليس كذلك، فهو عصارة انفعالية في مواجهة الذكورية الطاغية. وهو، في الواقع، يبدو، وبحسب آرمانج، بمثابة سبيل لدفع الرجال إلى الانشقاق عن ذكوريتهم. إذ إنها تستند إلى الإرهاق الذي أصابها كنسوية، جراء محاولاتها المتكررة لحثّ الرجال على التغير، كي يقلعوا عن تعاملهم مع النساء كما يفعلون عادةً، كي ينشقوا عن معسكرهم، اي معسكر العنيفين والانانيين والكسالى والجبناء. فكل المحاولات هذه باءت بالفشل، ونتيجة ذلك، لا بد من اعتماد طريقة أخرى حيالهم، وهي كرههم، بمعنى إبعادهم، رذلهم، من قبل النساء، اللواتي، وبتنفيذ طريقتهن تلك، ينتقلن إلى التكتل. وهذا على أساس تجربة العيش من دونهم، من دون الخضوع للحاجة إليهم، حتى لو كان ذلك، وفي بدئه، أمر صعب، لكنه، يحمل النساء إلى اكتشاف أنفسهن كما هن، بمعزل عن عيون الرجال وطلباتهم.

في هذه الجهة، تدعو آرمانج إلى بناء الأخويات، وهي تقدم مثالاً ساخراً عبر مديح حفلات الـtupperware، وسهرات البيجاما، ونوادي الفتيات. إذ إنها، وفي كل هذه الأوقات والمطارح، لا تلتقي برجال، وهذا ما يجعلها، ومثلما تقول، على فرحها، الذي يكثر كلما مضت إلى كرههم، كرهط مجتمعي، أو كأفراد. بالطبع، هي لا تنكر ان في إعلانها هذا استفزازاً، بالإضافة إلى أنه ينطوي على ضرب من المزاح. لكن مزاح آرمانج واستفزازها لا يلغيان مقولتها، ولا مشروعها، الذي تريد منه تحويل كره الرجال الى وسيلة في الصراع معهم. وهذا، حتى لو انها، ومثلما تشير، لا تستعملها لأنها تعيش حالياً مع رجل، لا تتوقف عن حبه. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024