قتل روح الله زم... الاعدام كهواية مفضّلة لجمهورية الملالي

محمد حجيري

الأحد 2020/12/13
من المضحك المبكي أن جمهورية الملالي الايرانية، أعدمت الصحافي والمعارض روح الله زم صباح السبت الماضي، بتهمة "الإفساد في الأرض" و"التجسس لصالح جهة خارجية"، وهي صانعة "الافساد في الارض" على أكمل في وجه، تؤسس الميليشيات من الحشد الشعبي في العراق إلى الألوية الأفغانية في سوريا، وتمارس لعبها المكشوف والقاتل في الشرق الاوسط، ومع هول ما تفعله، تُشغّل اجهزة استخباراتها لخطف معارض وقتله. فروح الله زم الذي، هرب إلى فرنسا قبل مدة، وأسس قناة على تيليغرام وموقع أمد نيوز، عاد وخطفه الحرس الثوري الايراني من العراق عام 2019 بعد خداعة واستدراجه من فرنسا إلى النجف(كما استدرج جمال الخاشقجي إلى القنصلية السعودية في اسطنبول). ويأتي اعدامه بعد أسابيع على شنق النظام الإيراني المصارع نافيد أفكاري في 12 سبتمبر/أيلول 2020، في أبرز عملية إعدام تشهدها إيران منذ سنوات، حيث أدين الشاب العشريني بتهمة قتل حارس أمن خلال احتجاجات عامة واسعة النطاق عام 2018. والحق أن من أهم سمات النظام الاستبدادي العسكري التوتاليتاري: التخلص من المعارضين بقتلهم أو اعدامهم أو اغتيالهم، ثم بعد ذلك البحث عن مسوغات تبرر هذا القتل، قد يكون القتل باسم "النيل من هيبة الدولة والشعور القومي" كما في سوريا، أو إهانة "الذات الالهية" كما لدى الجماعات الاسلامية المتطرفة، وقد يكون باسم "معاداة الثورة" كما في إيران، التي منذ سيطر الخميني على حكمها، تحول الاعدام فيها نوعاً من هواية مفضّلة، اذ دوّن السجين السابق، وعالم الاجتماع الايراني بهروز قمري في كتابه "قافلة الاعدام/ مذكرات سجين في طهران"(ترجمة دار الساقي)": "كان عليّ، بعد ثلاث سنوات قضيتها في زنزانة المحكومين بالإعدام، أن أغادر سجن إيفين السيئ السمعة في طهران مع جسد منهك بالسرطان. السجن الذي وقف قادة الثورة المبتهجون عن بواباته قبل بضع سنوات فقط، متعهدين تحويله إلى متحف يشهد على فظاعات الماضي. "في ايران"، صرحوا في ذاك المساء البارد في شباط/ فبراير 1979، "لن يكون هناك المزيد من السجناء السياسيين"، يضيف قمري "لم يكن هذا المقصود... باتت الاصوات الصاخبة التي دعت في انسجام لإنهاء الملكية تعلو اليوم متنافرة. ادعى كل من الشيوعيين، والاشتراكيين، والتحرريين، والقوميين، والنساء، والعمال، وطلاب الجامعات، والأقليات الدينية... بثقة مطلقة، أنهم يحملون المعنى الحقيقي للثورة... حوّل التعطش إلى السلطة الأصدقاء إلى أعداء(...)شهدنا بعيون مترقبة جدران السجن تعلو وتزداد خلفها فظاعات الأعمال الوحشية". 

والحال أن ايران تعتبر ثاني دولة في العالم من ناحية معدّل الاعدامات السنوية بعد الصين، اذ سجلت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي حول هذه الجريمة، إعدام إيران 251 شخصاً خلال عام 2019، لكن يبدو أن هذه الأرقام قد تصاعدت بشكل أكبر في 2020. وكثفت إيران من أحكام الإعدام منذ بداية تفشي فيروس كورونا، مستغلة الانشغال العالمي بانتشار الوباء، وتعدم غالبية المحكوم عليهم شنقاً داخل السجون. ومع ذلك، ينفذ النظام أيضاً بشكل منتظم عمليات إعدام علنية، في العديد من هذه الحالات، يجري شنق الضحية علانية من رافعة بناء، وهي طريقة إعدام بطيئة ومؤلمة بشكل خاص.

واعدام روح الله زم لا ينفصل عن الصراع بين ايران واميركا، فالصحافي المعارض هرب زم من إيران بعد اعتقاله في 2009 لمشاركته في احتجاجات الثورة الخضراء التي انطلقت مباشرة بعد إعلان فوز الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية. ونشر موقع "آمد نيوز الالكتروني" التابع لزم وقناة أنشأها على تطبيق المراسلة تيليغرام توقيتات الاحتجاجات وساعد في إلهام الاحتجاجات على مستوى البلاد في العام 2017 ومعلومات محرجة عن المسؤولين الذين تحدوا بشكل مباشر الثيوقراطية الملالية في إيران، وتضمنت وثائق حول ما وصفته بالفساد المستشري في أوساط كبار المسؤولين القضائيين والسياسيين والأمنيين في إيران، من بينها وثائق عن فساد صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية السابق، ووثائق عن قضية التحرش الجنسي بالأطفال من قبل سعيد طوسي، قارئ القرآن المقرب من أسرة خامنئي.

يقول شيرزاد كاوا، أحد أصدقاء زم المقربين: "لم يوفر روح الله أحداً من انتقاداته حتى بعض المعارضين، ولذلك انخفض عدد متابعي قناته رويداً رويداً بعد أن وصل إلى 1.8 مليون متابع". والاستعجال في اعدامه بحسب مدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات الإستراتيجية حسن راضي الأحوازي، يأتي لمحاولة ايران استباق وصول الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض. فالإعدام نفذ بعد أربعة أيام فقط من تأييد القضاء الإيراني لحكم الإعدام، "حتى لا تكون هناك ورقة ضغط ضدهم من قبل الإدارة الأميركية المقبلة".

إنها وحشية الصراعات التي لا تنتهي...
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024