نموذج متحف سرسق: كيف تتعاطى المؤسسات الثقافية مع الأزمة؟

حسن الساحلي

الإثنين 2020/04/06
أوقف فيروس كورونا، عمل المؤسسات الثقافية والفنية في لبنان التي اضطرت لإلغاء مشاريعها ونشاطاتها الفنية على الأرض. شكلت هذه النشاطات رئة اقتصادية لجزء كبير من العاملين في المجال، وهي لم تتوقف حتى في أصعب الظروف التي مر بها لبنان في السابق.

تكتفي المؤسسات اليوم بشبكات التواصل لإبقاء نوع من التواصل مع الجمهور في انتظار ان تعود الحياة إلى طبيعتها (هناك استثناءات قليلة لجأت للمعارض الإفتراضية التي تعتبر مكلفة وتحتاج لوقت من أجل التجهيز).

يعتمد جزء كبير من الوسط الثقافي على التمويل الخارجي وصناديق الدعم التابعة لشركات تجارية، مؤسسات حكومية، أو أفراد. أما الجزء الآخر، فيعتمد على البيع والشراء، كما حال الغاليريهات الموزعة في نواحي العاصمة التي تشارك في معارض محلية وعالمية بشكل دوري.

بعد 17 تشرين الأول، وضع بعض المؤسسات، استراتيجيات جديدة للتأقلم مع الأزمة الإقتصادية التي تضرب لبنان، من بينها تغيير السياسات التمويلية او التوجه للسوق الخارجية وبشكل خاص الخليج. لكن اليوم، يبدو تحقيق هذه الخطط أصعب، فاحتمال حصول ركود اقتصادي بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا، أصبح كبيراً، وهو ما ينطبق على الخليج الذي تأثر بتراجع أسعار النفط (تراجعت أيضاً حصة الفن من التمويل حول العالم بسبب أولويات أخرى عند الحكومات). 

لذلك، من المبرر طرح تساؤلات حول قدرة الوسط الثقافي في لبنان على تأمين استمراريته، وهو ما ينطبق على المؤسسات ذات الطابع التجاري، المؤسسات الرسمية(القليلة)، والمؤسسات غير الربحية.

إحدى اكبر المؤسسات الناشطة في لبنان وأقدمها "متحف سرسق"، الذي رغم كونه مؤسسة شبه رسمية، إلا أن تمويله غير محدد سلفاً، وهو يعتمد منذ تأسيسه على عائدات رخص البناء التي تقدمها بلدية بيروت (5%). هذا المصدر تراجع خلال العامين الماضيين، بسبب الركود الاقتصادي، ما دفع المتحف للبحث عن مصادر أكثر تنوعاً لتغطية موازنته.

لكن، منذ دخولنا في الأزمة الحالية، أوحى المتحف بقدرته على التأقلم مع الظروف المستجدة، حيث أطلق بسرعة نسخة افتراضية من معرضه "بيروت أرشيف الخلود" الذي يتيح عدداً ضخماً من المواد الفنية التي تتناول بعلبك (القلعة، المدينة، والمهرجان) من وثائق، مقابلات، وأعمال فنية رسمها أجيال من المستشرقين والفنانين الذين زاروا المدينة أو ولدوا فيها.

تُمكن الجولة الإفتراضية اي شخص يمتلك هاتفاً أو جهاز كومبيوتر او آلة VR (أداة الواقع الإفتراضي) من الدخول إلى فضاء المتحف، مشاهدة الأعمال والوثائق والأفلام المعروضة بطريقة مطابقة للواقع، وبشكل أقرب إلى اللعبة التي تمكن المستخدم من تحريك جسده بشكل حر داخل المكان. يصب هذا بشكل خاص في مصلحة الباحثين الذين بإمكانهم توفير مجهود الوقوف لوقت طويل وهي تجربة مضنية بالعادة.

وفق مديرة المتحف، زينة عريضة، المؤسسة قادرة على التأقلم مع التغيرات الجديدة، ليس لأنها أطلقت الجولة الإفتراضية بهذه السرعة "فالمتحف سبق وعمل عليها في الصيف بالتعاون مع شركة لبنانية متخصصة هي Paravision وهو مسار تمر به متاحف كثيرة حول العالم"، بل لأن المتحف "بدأ التحضير للأزمة منذ سنوات، بعدما بدأ التمويل بالتراجع عاماً بعد آخر، ما انعكس في الموازنة التي اضطرت للتأقلم مع التغيرات عبر خفض الإنفاق والبحث عن مصادر جديدة".

تضيف عريضة: "قررنا تنويع المصادر المالية التي يعتمد عليها المتحف قدر الإمكان والتعامل أكثر مع أفراد، مؤسسات، وجمعيات". من الأمثلة عن الجمعيات: "فيليب جبر" التي تدعم معرض "بعلبك أرشيف الخلود"، وعن الأفراد زوجة المصرفي السويسري من أصل لبناني ادغار بيتشيوتو التي دعمت معرض "بيكاسو والعائلة" الذي كان لا يزال ينظم في المتحف قبل اغلاقه منذ أسابيع.

تؤكد عريضة أنه، بعد 17 تشرين الاول، أصبحت المؤسسات الثقافية في مرحلة أكثر تقدماً في الأزمة، وأصبح تنويع المصادر ضرورياً أكثر من السابق: "أنشأنا رابطة اصدقاء متحف سرسق، لتأمين تبرعات أكثر للمتحف، ثم بين أيلول وتشرين الثاني، استطعنا الحصول على مساعدة 20 ممولاً، وكان من المفترض أن نحصل على تبرعات من لبنانيين في الخارج، وعلى مبلغ من أجل العمل على أرشيف أعمال الفنانين اللبنانيين خلال الخمسينات والستينات، وهو مشروع ضخم كان يفترض ان يبدأ في أيلول هذا العام، ويستمر حتى العام 2023. بالإضافة للمصادر الأخرى التي يفترض أن تأتي من المطعم، المتجر، وصندوق التبرع الصغير الذي نضعه على المدخل، من دون أن ننسى الشركات التي تقدم "سبونسر" مثل "تينول" التي تتكفل بدهن الصالات بعد انهاء كل معرض".

من جهة أخرى تلفت عريضة إلى أن واقع المتحف يبقى أفضل من الآخرين: "نحن نمتلك جمهوراً كبيراً، والمتحف معروف بالنسبة لشرائح متنوعة في لبنان. لذلك من الأسهل لنا أن نعلق برامجنا لبعض الوقت بعكس مؤسسات مثل "اشكال الوان" التي تمتلك برنامجاً تعليمياً يفترض اتمامه، واضطرت للتوقف اليوم، بالإضافة للمؤسسات الأخرى التي تقوم بمجهود كبير لإبقاء الثقافة في لبنان موجودة، لكنها وجدت نفسها أمام باب مغلق بسبب تراجع قدرات الأفراد في الداخل والخارج على تقديم الدعم". 

للقيام بالجولة الإفتراضية يرجى زيارة هذا الرابط: https://sursock.museum/virtualtour/202003/index.html
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024