نازلة 2020

روجيه عوطة

السبت 2020/12/19
ثمة إشكالية في الكتابة عن العام 2020، ومفادها أنه فعلياً، وحتى بعد أن ينتهي "روزنامتياً" اذا صح التعبير، لن ينتهي، بل سيتواصل. ففي حال كان كل من الكورونا عالمياً والانهيار لبنانياً، حدثَيه الكبيرين، فهما، صبيحة الأول من كانون الثاني 2021، سيكونان هنا، ولن ينصرما مع الفائت من أيامنا. على هذا النحو، الكتابة عن العام 2020 من أجل توديعه، أو "جرده" على تقليد صحافي معلوم، يبدو بلا سياق، أو لا طائل منه حتى.

فما أن نتخيل تركه خلفنا، حتى يطل علينا من جديد. وهكذا، يطيح بكل اعتقادنا أنه ذهب الى غير رجعة. وبهذا، هو لا يستوي على كونه عاماً، هكذا ككل الأعوام، بل إنه أشبه بمصيبة، أو بالأحرى بنازلة. وتحديده بهذه العبارة المبالغ بها، مرده أمران: الأول أنه، وعلى معناها المعروف، بمثابة شدة من شدائد الدهر. والثاني، أنه، وعلى احالتها، قد تمحور، وعطفاً على فيروسيته وأثرها، حول النزلة. فهو شدة، لكنه، شدة تحل كوعكة، كمرض، ومن هنا، الكتابة عنه، للتوديع أو الجرد، تستلزم انفراجه والتعافي منه، تستلزم شيئاً لا يظهر في أفقه، ولا في أي أفق.

على هذا النحو، لا بد من التفتيش عن طريقة أخرى للكتابة عنه لا تقوم بفكرة فراقه أو إحصاء وقائعه، إنما بقوام آخر، وهو، في الواقع، يمكن تعيينه: إما، بطرد النازلة، أو بالتآلف معها.

بفعل طرد النازلة، سرعان ما تتحول الكتابة بالارتكاز على هذا الفعل الى "اكزورسيسم" حيال الكورونا أو الانهيار. وهذا ما تشير اليه، من ناحية، نظريات التآمر، التي لا تتوقف عن الذيوع حول الكورونا، كالقول إنه مرض مصنوع لبيع لقاحه. ومن ناحية أخرى، وهي الناحية المحلية، يشير اليه النزوع التغييري غصباً عن فاعلي التغيير أنفسهم، أي مجموع المحكومين بالنظام الذي كان قد انبجر في نهاية 2019 قبل أن يغتالهم في آب الماضي. فعلى أساس ذلك النزوع، وطوال العام 2020، كان هناك ذلك الناشط المهووس الذي يريد من هؤلاء أن "يثوروا"، ولذلك، يرفع تعويذته-خطبته، لا سيما التكنوقراطية، أمامهم لكي يطرد الروح الشريرة منهم.

أما التآلف مع النازلة، فلا يساوي الاعتياد عليها، أو جعلها عادية، على العكس، يعادل التأليف بها من دون أي سكن إليها. بالطبع، هذا يحيل الى كل الكتب والنصوص التي صدرت متناولةً الكورونا، الحجز الصحي، الى كل ما قيل عنهما، عن آثارهما. لكن، وبالإضافة الى ذلك، يرتبط بالاقلاع عن جعل النازلة إياها، ومن الناحية اللبنانية هذه المرة، بمثابة عائق أمام المواظبة على العيش، إنما التمسك به ضدها. ففي حال حصل شيء جميل طوال العام 2020، فهو ما سمي الاستهتار، الذي كان موضوع نقد، بخصوص الكورونا، أو، وعندما يصير شبيه بجمود جماهيري، بخصوص الانهيار. فهما أيضاً ضربان من التآلف مع النازلة، بما هو تجنب الوقوع في الهلع من الفيروس، وبما هو تجنب الوقوع في "الثوروية" بالإرادة. كما أنهما ضربان من ذلك التآلف لأنهما يعمدان الى رد النازلة أيضاً، ففي حال كانت، ومن اسمها، تهبط من فوق، من محل إلهي، كعقاب، فالاستهتار والجمود كناية عن تفاعل معها بطريقة لامبالية، كما لو أنهما لا يعيران لذلك المحل ولا لعقابه أي قيمة. بهذا، هذان الفعلان لا "يُعلمِنان" النازلة لجعلها انتشاراً فيروسياً يمكن ضبطه، ولا خطأ تقنياً في نظام من الممكن تصليحه، إنما ينطويان على كفر بها.

وبالبعيد من طرد النازلة والتآلف معها، وبالبعيد من الكفر بها، يبقى العام 2020 كأنه فتح لزمن جديد. ولا تمثل مقولة "موت الرأسمالية" ركيزته، على ما أشاعت دعاية باطلة، إنما ان تجربته المؤسسة عالمياً هي الحجز. أما لبنانياً، فيستوي أكثر فأكثر على أنه سيكون ظرف مواجهة القتلة ونظامهم.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024