رحيل اليهودي البغدادي سامي موريه...مكتشف جذور المسرح العربي

المدن - ثقافة

السبت 2017/09/23
رحل الكاتب اليهودي من أصل عراقي، سامي موريه او سامي المعلم كما ينادونه، وهو ومؤلف الكثير من الكتب باللغتين العربية والانكليزية، والمشرف على الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه والمحقق لبعض الكتب المهمة والباحث في المسرح العربي. أصدر موريه الكثير من المؤلفات باللغات العربية والإنكليزية والعبرية، إضافة إلى تحقيق الكتب وإعداد التراجم، حيث بلغت 35 كتاباً حتى الآن بهذه اللغات، وكذلك المئات من المقالات والدراسات ومقدمات الكتب التي نشرت في المجلات والصحف وفي المواقع الإلكترونية. (ملاحظة مهمة: أشار رأفت الهجان إلى شخص اسمه "شموئيل موريا" باعتباره رئيس قسم مكافحة التجسس العربي. وهذا الرجل هو غير البروفيسور شموئيل موريه. علماً بأن الأول هو عراقي أيضاً ومستعرب وكان صهيونياً حين غادر العراق وعمل في النشاط التجسيي. الإسمان متماثلان، ولكن الأول يكتب اسمه شموئيل موريا، والبروفيسور يكتب اسمه شموئيل موريه. واللافت أن هناك مقالات في صحف، ومواقف، لا تفرق بين الاثنين).

وموريه الكاتب، من العراقيين البغداديين الذين أجبروا على الهجرة إلى إسرائيل، وهنا يقع الالتباس في الهوية بين أن يكون إسرائيليا بجنسيته و"موطنيته" وأن يكون عاشقا للثقافة العربية ولجذوره البغدادية. فهو ولد في بغداد في 22 كانون الأول/يناير1932، وعاش مع عائلته حتى سن الـ18، حين اضطرت عائلته على إسقاط الجنسية العراقية ومغادرة العراق العام 1951، وفق قانون إسقاط الجنسية الذي صدر أثناء وزارة توفيق السويدي في العام 1950. وقبل انتقاله للدراسة الجامعية، اضطر موريه المهاجر لتوه من بغداد، أن يمارس، كبقية العراقيين الذين هاجروا إلى إسرائيل، أعمالاً شاقة. ومن هنا بدأت الصدمة بين زمن الرفاه وزمن الشقاء، بين زمن الحنين (العراقي) وزمن الواقع(العبري).

وشغل كتاب موريه "بغداد حبيبتي، يهود العراق ... ذكريات وشجون" الرأي العام والقراء، ويبدأه بقصيدة "مهداة إلى أخواتي وإخوتي العراقيين في كل مكان"، بعنوان "قالت لي أمي، والأسى في عينيها". 
قالت لي أمي: "ظلمونا في العراق،
وضاقَ المُقامُ بنا يا ولدي، 
فما لنا و"للصبر الجميل" ؟
فهيا بنا للرحيل!"
وعندما بلغنا الوصيدا،
قالت لي: "يا ولدي لا تَحزنْ،
إِللّي ما يريدكْ لا تريدَهْ "، 
هَمستْ: "يا حافرَ البير" 
"بربكَ قلْ لي لهذا سببْ؟ " 
ورَحلنا...
وقبلَ رَحيلِها الأخيرْ،
قالتْ لي أمّي،
والقلبُ كسيرْ :
"أحنّ إلى العراق يا ولدي، 
أحنّ إلى نسيمِ دِجلة 
يوشوِشُ للنخيلِ،
إلى طينها المِعطار 
إلى ذيّاك الخميلِ،
بالله يا ولدي، 
إذا ما زُرتَ العراقْ 
بعدَ طولِ الفراقْ
قبّلِ الأعتابْ 
وسلم على الأحبابْ
وحيّ الديار 
وانسَ ما كانَ منهم ومنّا!"
 
يذكر موريه في الكتاب، طفولته في نواحي بغداد، ثم زمن الفرهود والهجرة القسرية وما فعلتهُ الحكومة الملكية بأبناء العراق من الطائفة اليهودية ثم الحكومات المتعاقبة، والشجون والحنين لفراق العراق وبغداد.

أما أبرز أعمال موريه فهي "المسرح الحي والأدب الدرامي في العالم العربي الوسيط"(منشورات الجمل)، وقد وسّع الباحث العراقي دراسته، عائداً إلى إسلام القرون الوسطى، لإثبات وجود مسرح حيّ في العالم العربي ما قبل الحديث. كتاب موريه سابقة أدبية رائدة في الاستنتاج بأن العرب عرفوا المسرح، إذ فند المؤلف رأي المستشرقين والباحثين القائل بعكس ذلك. يورد موريه أن "البداية كانت محاولة معرفة ما إذا كان مسرح يعقوب صنوع تقليداً للمسرح الأوروبي أو أنه كان امتداداً لمسرح مصري شعبي حيث يقوم الممثلون الذين كان يطلق عليهم اسم "محبطون" بعرض مسرحيات، كما ذكرهم المستشرق البريطاني إدوارد وليم لين في كتابه "اخلاق وعادات المصريين المحدثين"، وطريقة تمثيلهم المشابهة للمسرح الأوروبي، واستطعت أن أثبت أن هذا المصطلح كان معروفاً في القرون الوسطى، وأنه استبدل مصطلحي "خيال" و"حكاية" اللذين استخدما في صدر الإسلام للدلالة على مسرح يقوم فيه الممثلون بارتداء ملابس تعود الى فترات تاريخية قديمة لكي يقوموا بإحياء الماضي في الحاضر أمام المشاهدين للإمتاع والنقد الاجتماعي والوعظ".

وسع المؤلف نطاق بحثه ليمتد الى الإسلام خلال العصور الوسطى، وقد توصل، عبر هذا البحث، إلى وجود مسرح حي في العالم العربي ما قبل الحديث، إذ تابع العرب تقاليد المسرح الشعبي في الشرق الأدنى وطوروها في ما قبل وبعد مسرحيات خيال الظل، والدمى المتحركة ومسرحيات الآلام باسم التعازي. يقول المؤلف "إن خلاصة ما توصلت إليه في كتابي هذا هو أن العرب في فجر الإسلام عرفوا المضحكين أمثال النعمان، وهو المعروف بمضحك النبي محمد، وكانت لعائشة امرأة تضحكها وتقلد النساء تدعى "سويداء"، أما الحكم بن أبي العاص فقد كان يدعى بالحاكي "لأنه كان يحكي مشية رسول الله" حسب رواية الجاحظ في "البيان والتبيين". و"كان التمثيل في فجر الإسلام يعرف باللعب أو المحاكاة أي تقليد الآخرين".

وفي كتابه الآخر "أثر التيارات الفكرية والشعرية الغربية في الشعر العربي الحديث 1800 – 1970"(منشورات الجمل)، أورد أن الشعر العربي الحديث قطع طريقاً طويلة مضنية قبل التوصل إلى الشكل الجديد الذي لا يتقيد بعدد ثابت من التفعيلات وينوّع في أنماط التقفية والذي عرف بالشعر الحرّ، ذلك الشكل الذي يمتاز بالتجديد وقابلية الكيف، قبل أن يصل الشعراء العرب إلى أن التجربة الشعرية هي التي تملي الشكل الشعري الخاص بها، وأن الوزن والقافية في الشعر لا أهمية كبرى لهما كالتي عقدها العرب وشعراؤهم المحافظون.

بدأ التمرد على شكل القصيدة العمودية، بما تتميز به من تناسق وجمود وانتظام صارم وزخرفة لفظية مبالغ فيها، مع أول احتكاك بين شعراء العرب وبين الشعر الغربي، حيث أدت المحاولات المبذولة لترجمة الشعر الأوروبي إلى العربية وتقليده، شكلاً ومضموناً، إلى محاكاة أنماط التقفية في الشعر العربي، وتبني نماذج التقفية المماثلة لها في شعر المولدين في الشعر الشعبي. كذلك أدى ذلك إلى ابتكار أشكال جديدة استطاعت، بمرور الزمن، أن تزحزح القصيدة العمودية عن المكانة السامية المرموقة التي احتلتها منذ العصر الجاهلي وعلى مدى تاريخ العربية كله.

تناول موريه فكرة لم يتوصل إليها أحد سابقاً وهي التشابه بين الشعر المهجري والمزامير المسيحية البروتستانتية المترجمة إلى العربية، فرغم كثرة الدراسات عن الشعر المهجري وأعلامه لا نكاد نجد أحداً من الدارسين وقد تنبه إلى هذه النقطة وعالجها بمثل ما صنع موريه، كذلك بيَّن موريه أن أهم ما تأثر به الشعر العربي بفعل الشعر الغربي هو الخروج على عمود الشعر التقليدي وظهور أشكال جديدة في الشعر العربي.

لعل النتيجة الأهم التي توصل إليها المؤلف في كتابه، هي أن العولمة كانت قد غزت الشعر العربي الحديث، أول ما غزت في الثقافة العربية المعاصرة، وذلك رغم حرص المحافظين على الشعر العربي والأسلوب الشعري وشكل القصيدة التقليدي. وقد تم ذلك بظهور الشعراء المجددين فيها، ابتداء من فرنسيس فتح الله مراش، مروراً بجبران وأحمد زكي أو شادي وجماعة أبولو القاهرية، ثم يوسف الخال في مجلة "شعر" والشعراء الذين التفوا حوله.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024