مقهى الغندول... ورقة أخرى تسقط

المدن - ثقافة

الثلاثاء 2019/08/13
في حساب صفحة "تراث بيروت" في فايسبوك، كُتب: "آخر أيام الغندول - كورنيش المزرعة، صفحة جديدة من ذاكرة بيروت الاجتماعية والثقافية والوطنية منذ سنة 1955"، وبدت هذه العبارة أشبه بورقة نعي للمقهى العريق القريب للسفارة الروسية والوجه السياحي لثكنة الحلو المقر العام لشرطة بيروت...

وأسس "الغندول" (وهو عنوان أغنية لمحمد عبد الوهاب)، نبيه مارون العام 1955، وبقي صامداً حتى الآن، بعكس الكثير من المقاهي البيروتية التي غابت وتحولت مجرد ذكرى، مثل "المودكا" و"الويمبي" و"إلدورادو" و"الاكسبرس" و"السيتي كافيه"، و"الهورس شو"، مع فارق أن هذه المقاهي كان معظمها في رأس بيروت، أي قلب المدينة، بينما "الغندول" في كورنيش المزرعة، وخلال السبعينات بات بسبب قربه من كليتي الآداب والتربية في الجامعة اللبنانية، مقر اجتماع لقياديي الحركة الطلابية عهد ذاك ومنهم القيادي أنور الفطايري، وفتح أبوابه "للبيارتة النخبويين" أهل السياسة والأدب والشعر(ادونيس وغيره) والصحافة... وعلى رأي أحد الصحافيين، كان معظم رواد الغندول "صف ضباط"، ويتدرجون الى أن يتحولوا "ضباطاً" حين يذهبون الى مقاهي الحمرا وعوالمها.

وليست المرة الأولى التي تودع الأقلام والتعليقات الفايسبوكية "الغندول"، مع الكثير من "النق الثقافي" و"البيروتي" وطرح اسباب شيخوخة المقهى وربطها بالاقتصادية والزمنية. ففي العام 2011 وردت معلومات ان المقهى سيقفل لكنه أكمل مسيرته، وفي العام 2017 كتبت الناقدة يسرى مقدّم "زمن الغندول كان الأجمل والأكثر حراكاً وحيويّة! طلاباً من معظم الأطياف السياسية، كنّا نقصده. نتّجه إليه صعوداً قادمين من كليّة التربية وكلية الآداب نتوزع طاولات المقهى (والمطعم الأشهر)، وتعلو أصواتنا بالنقاشات حادة أو هادئة. وهناك أيضاً كانت تُعقد لقاءات القلوب العاشقة البارحة، باغتتني الرغبة بزيارته و طاوعتها... وقفتُ طويلاً أمام الباب الزجاجيّ المقفل. حدّقتُ في الداخل حيث يسود صمتٌ مطبق. ألصقتُ وجهي بالزجاج، أغمضتُ عيني ورحتُ أتابع شريط الصور بغبطة عميقة يصعب وصفها... المقاهي تشيخ أيضاً!!".

أما الشاعر العراقي هاشم شفيق فكتب حين زار بيروت العام 2018: "استجيب لنداء داخلي، فأمرّ على مقهى "الغندول" عصراً، مستعيداً أيام صباي في هذا المكان وايام ذكريات عذبة لا تنسى، المكان ما زال كما هو، رائقاً وأنيساً، وأكثر هدأة من السابق، مع قلة زائريه، لكني أجد فيه لذاذة وأجد فيه تجديداً لبعض ما غرب من ايام وتصرّم". وكتب الشاعر العراقي جليل حيدر العام 2015: "كان بعضنا يلتقي في مقهى الغندول في كورنيش المزرعة. كان الشاعر الختيار الكلاسيكي عبد اللطيف شرارة يناكدنا دائماً. في يوم قال: أنتم "وشعركم الحديث" في هذين البيتين:
حبيبٌ كّل ما فيهِ جميلٌ
ولكن في معاملتي خبيثُ 
يُحدثنّي فلم أفهم عليهِ 
كأّنَ حديثهُ الشعرُ الحديثُ. 
فأحببنا ظرافته".

وفي العام 1958 كان المقهى مقصد قائد ضباط الاسطول الاميركي السادس وكبار معاونيه بعيد وصولهم بيروت العام 1958، وحتى وقت قريب المقهى كان مقصد اليساريين الياس عطالله ونديم عبد الصمد وجورج حاوي (اغتيل العام 2005 حين كان في طريقه إليه). 

يبدو إقفال "الغندول" هذه المرة جدياً ومحدداً. وكتب ميشال الدويهي: "مع تسكير مقهى الغندول يتبخر جزء من ذاكرة بيروت. المقاهي هي روح المدن وبهذا المعنى بيروت بحاجة الى استعادة روحها ولإعادة انتاج هويتها الثقافية كعاصمة اولا ودورها كمدينة للانفتاح والتسامح والتنوع والحريات ثانياً".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024