كيلي رايكارت لـ"المدن": عن الرأسمالية والأبقار والسينما المستقلة

محمد صبحي

الثلاثاء 2021/07/20
في أفلامها السبعة، أصبحت كيلي رايكارت (1964) تدريجياً أحد الأسماء الرئيسة في سينما المؤلف، من دون التخلي عن نهجها المينيمالي والعمل بموارد محدودة واختيار موضوعات لا هوادة فيها، وبإخلاص عزيز لموقعها في المشهد المستقل ومزاجها اليساري من دون الخوض في أي مغامرة سينمائية تجارية تبتغي الربح والإيرادات. وعلى الرغم من أن الاستوديو الصغير A24 أعطى رايكارت الميزانية السخية - مقارنة بما اعتادته في أعمالها السابقة - والتي احتاجتها للبدء في إنجاز أكثر مشاريعها طموحاً حتى الآن، إلا أن "بقرة أولى" يبقى عملاً يمتلك جميع ميزات رايكارت التأليفية التي لا لبس فيها.

بقرة وحليب مسروق وكعك شهي ومناظر طبييعية، هو كل ما احتاجته رايكارت لنسج حكاية غامرة البساطة ترتحل في التاريخ والجغرافيا لتقول شيئاً عن أصول الرأسمالية وبوتقة الهجرة الأميركية وتعيد الاعتبار لمن لا صوت تاريخياً لهم، من خلال قصة الصداقة بين رجلين/خاسرين/مهاجرين من خلفيات مختلفة تماماً يحاولان البقاء على قيد الحياة (اقتصادياً وإنسانياً) في عالم وحشي وعدواني يشعران فيه أنهما في غير مكانهما.

أفلام رايكارت كلها أمثولات عن الحياة الواقعية، أبطالها بشرٌ حقيقيون، غالباً ما تكون أعظم تجاربهم عادية لكثيرين. الحلم بمخبزٍ صغير ونيل النجاح مع كعك مخبوز من حليب مسروق، هذه مغامرة "رايكارتية" نموذجية. لا تصادفهم كثيراً، "مؤلفون" بمثل هذا التوقيع الواضح، حتى لو لم يكن بقلم ماركر سميك، وإنما بسنّ رصاصي رفيع.

بمناسبة إطلاق فيلمها الأخير، "بقرة أولى"، عبر منصة "موبي" للسينما الفنية، التقت "المدن" رايكارت للحديث عن تعاونها طويل الأمد مع المؤلف جون رايموند، وعملية تكييف "بقرة أولى" من رواية إلى فيلم، وكيف حافظت على طموحاتها الفنية لأفلامها رغم تغيُّر سياقات إنتاجها، وعن مصادر إلهامها الأكثر أهمية في تصميم لغتها السينمائية، ومشكلتها مع فيلم كلوي تشاو الحائز على جائزة الأوسكار، "نومادلاند".

* قبل عشر سنوات أنجزتِ فيلم "Meek's Cutoff" الذي تدور أحداثه في القرن التاسع عشر. الآن "بقرة أولى" مرة أخرى يأتي كتنويع على سينما الويسترن. ما الذي يمكنك اكتشافه في هذا النوع؟

هذا النوع ليس ما يثير اهتمامي في الواقع. أولاً وقبل كل شيء، أنا مهتمة بالشخصيات والأماكن والقصة. في هذه الحالة، رواية "النصف حياة" لرفيقي القديم والمؤلف المشارك جوناثان رايموند. أو على الأقل أجزاء منها. لكن بالطبع لا يمكنني أن أنكر بعض الانبهار بالويسترن. إنه يثيرني لإيجاد زوايا جديدة ومقاربات سردية في هذا النوع الذكوري بالأساس، والذي دائماً ما يجرى رَمْنَسته (من رومانسية).

* تعاونتِ مع المؤلف جون رايموند في العديد من أفلامك، وروايته "النصف حياة"، التي يستند إليها فيلمك، نُشرت بالفعل في العام 2004. ما الذي ألهمك أفلمة الرواية الآن، وكيف تختلف عن مؤلفات رايموند الأخرى؟

اتخذ تعاوني مع جون أشكالاً عديدة على مرّ السنين، من القصص القصيرة إلى الأفلام الروائية، ومن الأفكار والدردشة إلى سيناريوهات الأفلام، وهنا اقتباس لروايته "النصف حياة"، والتي كانت في الواقع أول ما قرأته له قبل أن أصنع "فرح قديم" (2006) (الفيلم مقتبس أيضاً عن رواية لرايموند. - المحرر). لطالما فكرنا في إنجاز فيلم يستند إلى "النصف حياة"، لكننا كنا نوقفه دائماُ بسبب نطاق الرواية، إذ تقفز بين قارات وعصور، من بين أمور أخرى.

مع ذلك، لم نتخلَّ عن الفكرة تماماً، وفي أحد الأيام، جاءت فكرة البقرة. هي ليست في الرواية، لكنها أتاحت لنا سحب الموضوع من النصّ إلى إطار أكثر تحديداً لإنجاز للفيلم. قمنا أيضاً بدمج شخصيتين في الشخصية التي أضحت في الفيلم كينغ لو. لذلك اتخذنا بعض الإجراءات قبل أن نتمكن من نقل المشروع من كونه شيئاً صنعناه للتو، إلى تحقيقه كـ "بقرة أولى". كانت فكرة دمج الشخصيتين في واحدة هي فكرة جون. لا تقع أحداث روايته على مدار أربعة عقود في القرن التاسع عشر فقط، بما في ذلك رحلة إلى الصين، وإنما أيضاً في الثمانينيات. كان هذا كثيراً بالنسبة لنوع أفلامي، لأنني دائماً أهتم باللحظات الصغيرة أكثر من ضربات الفرشاة الكبيرة. لا أجد من المثير أن أخبر الحياة من البداية إلى النهاية. أفضّل عندما يقوم المُشاهد بزيارة سريعة للأبطال ويرافقهم لفترة قصيرة فقط.


* غالباً ما يشار إلى أفلامك كونها
إنتاجات صغيرة منخفضة الموازنة. لكن بالنسبة اليّ، لطالما كان لأفلامك شكل ومظهر يبدو أنهما ينبعان كلياً من الفكرة نفسها، بمعنى أن الأمر لا يتعلق بموازنة صغيرة أو كبيرة بقدر ما أن الأفلام صُنعت تماماً بما تحتاجه للخروج بالشكل المنشود. مع "بقرة أولى"، ما زلت أشعر أنه يمكن ملاحظة عملك على نطاق أوسع، وأن الإنتاج يتوسّع بشكل أكبر، على الرغم من بقائه سرداً حميمياً، وليس ملحمياً. هل كان لهذا أيضاً تأثير معيّن على الوقت الذي يمكنك فيه البدء في هذا الفيلم، وهل كان توسيع النطاق يمثل تحدياً خاصاً بالنسبة لك، مقارنة بأفلامك السابقة؟ أنت أيضاً ليس لديك ممثلون نجوم في فريق التمثيل هذه المرة؟

نعم، هذا المشروع بالتأكيد أكبر في نطاقه مما اعتدت عليه، لذلك كان عليه بالضرورة الانتظار حتى يتحقق وحتى تأتي الفرصة. وعلى الرغم من أنه لا يزال فيلماً "صغيراً" في الصورة الكبيرة، إلا أنه يعد كبيراً بالنسبة اليّ. وحقيقة أنه يمكنني الآن العمل مع ممثلين ليسوا بالضرورة مشهورين، هي أيضاً علامة لما صار ممكناً الآن فقط. شعور جيد جداً، لأنه يعني أن ثمة ثقة بُنيت بي كمخرجة، مع الممولين والمنتجين.

في الوقت نفسه، كان هذا يعني أن التحديات أيضاً ستزداد. فرغم أن العديد من الأولويات حُدّدت بالفعل في عملية التكييف من رواية إلى سيناريو، حيث تم تصغير النطاق نسبياً-، مثلاً، كان لا يزال لدينا عدد كبير جداً من الشخصيات بدورها، أكثر بكثير مما اعتدت عليه. لذا فالجمع بين حقيقة أن النطاق كان أكبر، من حيث الطموحات الموضوعية للفيلم والتنفيذ العملي البحت، ربما ساهم في حقيقة أنني لم أتمكّن من إنتاج هذا الفيلم من قبل. وأنا سعيدة جداً لأننا حققناه الآن.

غالبًا ما يساعد اختيار النجوم على جمع الأموال بالطبع، وهو ما لم يكن ضرورياً هذه المرة. لا يعني ذلك أن لدينا موازنة ضخمة للفيلم، لكن سكوت رودين كان موجوداً كمنتج، ووافق منذ البداية على أن هذا فيلم صغير لا يحتاج إلى أسماء كبيرة. وجدت من المفيد لهذه القصة اختيار ممثلين ليسوا بالضرورة مألوفين للجمهور. على الرغم من أن جون ماغارو، الذي كان خياري الأول للعب دور "كوكي"، معروف جيداً، على الأقل في برودواي. وبالطبع، فقد ساعدت حقيقة أن رودين معجباً به كرجل مسرح.

لكن في المجمل، الأفلام ذات القصص الصغيرة والحميمة ستسعى دائماً لتأمين التمويل، خصوصاً إذا أردت تجنُّب استخدام النجوم في الأدوار الرئيسية. مع وجود شركة A24 وراءنا، كان من دواعي سروري أن أصنع "بقرة أولى" بالإطار والحرية الضروريين، لكن من الصعب عموماً إنجاز مثل هذه الأعمال. هذه المرة كان لدينا القليل من المال زيادة على المعتاد، وهذا يعني أيضاً أنه لأول مرة قمت بالتصوير وفقاً لشروط النقابات العمالية في صناعة السينما الأميركية. مما يعني، مثلاً، أن هذا كان أول فيلم صنعته على الإطلاق حيث كانت لدينا عطلة نهاية الأسبوع وساعات عمل منتظمة.



* تقطّعين أفلامك بنفسك أيضاً، وهذا الجانب من عملك السينمائي كان دائماً رائعاً بالنسبة اليّ. في "بقرة أولى"، هناك العديد من المقاطع الأنيقة، وتقومين بقفز أكثر من 150 سنة في قطع مونتاجي/انتقال واحد بسيط. يأتي ذلك في وقت مبكر من الفيلم، ويشير في الوقت ذاته إلى مآلات بطليه. هل يمكنك الحديث قليلاً عن قيمة نحت أفلامك بنفسك، وكيف تعملين مع "نفسك" كمحرّرة/مونتيرة؟

نعم، أحب التقطيع. دعني آخذ مثالك أولاً: في رواية جون رايموند، تم إجراء هذه القفزة في الزمن من سرد الإطار المعاصر للقصة، إلى حبكة القرن التاسع عشر، والعودة مرة أخرى، وهكذا تستمر مع تطور السرد في كلا الخطين الزمنيين. لذا أردت الحفاظ على بعض هذه البنية، التي أحببتها حقاً، بينما قمنا بتقليصها في التصوير. الإعداد المعاصر، الذي يبدأ به الفيلم، يؤسسه كلا الهيكلين العظميين (اللذين يعتبران أساسيين في الرواية) وليس أقله نهر كولومبيا، وهو نهر مركزي جداً في حياة الشخصيات التي نصوّرها، والذي يظهر مرات عديدة في الفيلم. [نهر كولومبيا هو أكبر نهر في شمال غربي الولايات المتحدة، ينبع من ألبرتا بكندا، ويتدفق عبر ولايتي واشنطن وأوريغون قبل أن يصل إلى المحيط الهادئ. - المحرر]

كان من المنطقي بالنسبة اليّ إظهار أن التجارة والنشاط على طول هذا النهر يربطان بين العصور، وأن هذا حدث قديماً كما هو الحال الآن، وهكذا قرّرت عرضه في وقت مبكر من الفيلم.

* ثم تبحر البقرة الأولى إلى المستوطنين، أسفل النهر نفسه، في انعكاس دالٍ للمشهد الافتتاحي الذي تحتلّه تقريباً سفينة شحن تمخر النهر..

بالضبط، وهذه الفكرة موجودة في السيناريو حتى من دون أن أقوم بتقطيع الفيلم بالضرورة، لكن من الواضح أنني أفكر كثيراً في هذا الأمر على وجه التحديد عندما أكتب، كيف أتحدث بالأفكار المرئية وكيفية استخدامها في مقاطع ملموسة جداً. لكنك إذا نظرت إلى أفلامي السابقة، فمن النادر للغاية أن أستخدم قفزة سريعة للقفز إلى الأمام في الوقت، لذلك فهي أيضاً عنصر جديد بالنسبة إليّ في "بقرة أولى". عادة ما تتكشّف قصصي على مدى أسبوعين كحد أقصى، لذا كان القفز في الوقت لما يقرب من مئتي عام قفزة كبيرة، بالنسبة اليّ التي لا تجرّد الوقت عادة. لكني أحب أن أجرّبها مع صانعي أفلام آخرين، مثل نيكولاس روغ أو غاي مادين، وهما مخرجان بحثا وجرّبا دائماً خبرة الوقت. أحياناً يغريني أيضاً تصوير تقويم على الحائط، حيث تهبّ الرياح على الأوراق وتطير الأيام (تضحك). لكني لن أفعل ذلك أبداً.

سفينة الشحن التي تبحر عبر الصورة في البداية هي رمز للرأسمالية على طول نهر كولومبيا. كان النهر مركزاً تجارياً مهماً لشعب شينوك الأصلي في القرن التاسع عشر، وهذا هو المكان الذي تصل إليه أيضاً بقرة الثري البريطاني. يُظهر الفيلم بدايات الرأسمالية في المنطقة، والتباين بين الناس والبيئة. أردت إظهار هذه الإشارة إلى الحاضر.



* استفاد كوكي وكينغ لو من هذه الرأسمالية المبكرة. سرقا حليب البقرة وخبزا به كعكاً باعاه للصيادين والمستوطنين...

في ذلك الوقت، كانت تجارة فراء القندس مزدهرة. كانت البقرة هي فكرتنا، وهي تقودنا عبر القصة. من بين الاثنين، كوكي هو النوع الواقعي الأكثر انسجاماً مع الطبيعة، وكينغ لو هو الشخص الذكي، فهو يشم رائحة البزنس.

* بالحديث عن البقرة، تؤدي الحيوانات دائماً دوراً كبيراً في أفلامك، و"بقرة أولى" ليس استثناءً. ما الذي يجذبك إليها؟

الجواب المبتذل بسيط: أنا أحب الحيوانات. لقد نشأت مع الكلاب ولا أستطيع تخيُّل الحياة من دونها. في الماضي، غالباً ما كان كلبي يؤدي دوراً في أفلامي. أدركت بسرعة كيف يمكن أن تكون الحيوانات مُعبّرة أمام الكاميرا. وإلى أي مدى تساعد عفويتها الممثلين على البقاء على طبيعتهم وفي حالة تأهب.

* لكن العمل مع بقرة يختلف بالتأكيد عن العمل مع كلب...

ربما هذا صحيح. بحثت بين الكثير من الأبقار قبل أن أختار "إيفي" لأداء دور بطلتنا. كان علينا تدريبها لتعتاد على الكثير من الأشخاص من حولها لا سيما حتى نتمكن من التصوير معها على متن عَبّارة. الأبقار لا تسبح، وفي البداية كانت تشعر بعدم الارتياح بشكل ملحوظ. لكني في العادة لست من محبي مدربي الحيوانات. مع الكلاب، على سبيل المثال، أحاول العمل فقط مع الكلاب الخاصة التي ليس لديها خبرة في التصوير، حتى لو كلَّف ذلك الأعصاب في بعض الأحيان. لا تتصرَّف كلاب الأفلام أبداً بشكل غير متوقع أو تلقائياً، بل تتفاعل فقط مع الأوامر والمطالب. هذا ليس له التأثير الصادق الذي أسعى إليه.

* لنعُد إلى جمالياتك وأسلوبك في رواية القصص، كيف تستخدمين القطع المونتاجي للعثور على الشكل الذي تبحثين عنه؟

بطريقة ما، تبدأ خياراتي التحريرية الخاصة من النصّ ومن طريقة عملي مع المصورين، وفي ما يتعلق باختيار ما يجب تضمينه في الصورة وما الذي يجب الاحتفاظ به بعيداً. خذ فيلماً مثل "ويندي ولوسي"، حيث كانت لوسي بالكاد حاضرة أو مرئية في معظم الفيلم، لكنها مركزية جداً للتوتر العاطفي في القصة. هناك غياب لوسي الذي يعطي القوة للفيلم. قد يكون مصدر إلهام لي أيضاً، الاعتقاد أنه بصفتي صانعة أفلام فلدي القدرة على منح الجمهور تبايناً غير متوقع في اللحظات المهمة، ويمكن أن يكون ماكس أوفيلس مثالاً على ذلك، حيث يمكن للموسيقى الفخمة أن تملأ أفلامه حتى لحظة مهمة، حين يصبح كل شيء هادئاُ تماماُ فجأة، ويبقى صوت الرياح فقط كـ "كريشندو". ماذا حدث الآن؟، يفكّر المرء، لكن يا له من تأثير يمكن أن تعطيه مثل هذه الاختيارات!

* عندما يتعلق الأمر بإلهامك كمخرجة، غالباً ما يُذكر روبير بريسون. ربما يمكنك التعليق على هذه المقارنة والحديث قليلاً عن رواة الأفلام الآخرين ومنشئي الأسلوب الذين ألهموك؟

قمت منذ سنوات بتدريس السينما في كلية بارد، التي تقع على نهر هدسون على بعد بضع ساعات بالسيارة شمالي مدينة نيويورك، وأعتقد أن كل مَن حاوَر طلاب السينما الشباب وحاول استخدام بعض الأمثلة لتوضيح هذا الشكل الفني، أي تأثير بنية الفيلم على تدفقه؛ يَعتبر بريسون اسماً رئيسياً.

إنه يجعل الأمر يبدو "بسيطاً"، لأنه يتمتع بهذا الشكل النظيف والواضح، ويساعدنا على إدراك القوة السحرية للفيلم بطريقة جميلة وواضحة. ويمكن أن يكون مصدر إلهام هائل، عندما يُبنى مشهد مثالي عند بريسون من مثل هذه اللمسات البسيطة والمميزة: عدسة واحدة، بضع مقاطع، غالباً ممثل واحد في غرفة، وقد يكون ممسكاً بملعقة؟ حسناً، أنا أبسّط هنا، لكن وجهة نظري هي أن أفلامه يمكن أن تلهمنا للشعور بأنه "لا يمكن أن يكون بهذه الصعوبة." لكن بالطبع هناك أفلام مدروسة وحكيمة للغاية، لا يمكن للجميع إعادة إنشائها، حتى لو شعرت بالإلهام.

* في "موسم الجوائز" لعام 2020/2021، كان هناك العديد من الأفلام البارزة في الطبقة نفسها، والتي لم تُنتج ضمن سياقات مشابهة فحسب، بل حصلت أيضاً على جوائز وترشيحات جنباً إلى جنب مع "بقرة أولى"، مثل "أبداً نادراً أحياناً دائماً" لإليزا هيتمان و"نومادلاند" لكلوي تشاو. هل لاحظت أي اتجاه أو موجة كان فيلمك وهذان المثالان جزءاً منها؟

حسناً، أنا مترددة في القول إن الأمر أصبح أسهل إلى حد ما بالنسبة للمخرجات، على سبيل المثال، لكن يمكنني ملاحظة أنه كان هناك بعض التحسُّن عما كان في الماضي.

* صحيح، لكن بالأحرى هذه أفلام ذات موضوعات وشخصيات من الطبقة العاملة وتخوض رحلة معينة في الجغرافيا الأميركية، وهو أمر يتداخل مع العديد من الموتيفات التي عملت معها من قبل ويبرزها فيلمك الأخير..

أنت تسأل عن شيء قد لا أكون الشخص المناسب لأقول شيئاً ذكياً عنه، وللأسف لم أشاهد بعد فيلم إليزا الأخير، إنه أمر محرج بعض الشيء، لأنني على دراية جيدة بأفلامها السابقة. "نومادلاند" يمثّل حالة مثيرة للاهتمام. أعتقد أن كلوي صانعة أفلام رائعة وكُفؤة، لكن بالنسبة اليّ، تصوير الفيلم [للطبقة العاملة] هو تصوير لأسلوب حياة، بمعنى أن الشخصيات تختار عيش مثل هذه الحياة. لذلك يصبح مزيجاً غريباً، حيث يفشل الفيلم في تناول بعض الموضوعات المتعلقة بالفقر والعاملين خارج النقابات. إنه يتحايل على مسألة لماذا ينتهي الأمر بالناس بالعيش في مقطوراتهم.

وهكذا ينتهي الأمر بالفيلم ليكون صورة رومانسية لهذه الحياة، وبهذه الطريقة يختلف عمّا تجده في أفلامي. لكن أداء الأدوار في "نومادلاند" كان رائعاً، وأنا لا أفهم حتى كيف وصلت كلوي إلى هذا التقارب والحضور. لديها موهبة في ذلك الجانب، وهي صوت مهم في الفيلم الأميركي المستقل.

* إذن، هل لا يزال بإمكان ويندي [بطلة فيلمها "ويندي ولوسي"] العيش في سيارتها، كخيار لأسلوب حياة معيّن؟

لا، هي لم تختر ذلك. ولن تملك الموارد اللازمة لأخذ الوقت الكافي لمشاهدة غروب الشمس.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024