"حزب الله" و"المشاريع" وبورنوغرافيا الانتخابات

رشا الأطرش

الجمعة 2022/05/13
بين "حزب الله" و"جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية"... يا قلب لا تحزن. لا فرق كبيراً. هذا "جيش لن تُسبى زينب مرتين" وذاك "الجيش السنّي الأصفر". على طرفي الديانة، تتمذهب العقيدة وتتمطّى وتتلوّى، ثم ترتاح بالتحالف الانتخابي، ولو في لوائح منفصلة لدواعي استقطاب فُتات ناخبي "تيار المستقبل" الأكثر مُحافَظة، والاستفادة من "كَسر الأصوات"، وتفادي إحراجات مذهبية أخرى على مقاسَي الحليفَين.


ولا عجب أن يوقظ الإثنان الدِّين من سباته الظّلامي في كهف ضيق... الآن، عشية الانتخابات. هذه الانتخابات بالذات، بكل دلالاتها الراهنة، وبالبشر المسحوقين تحت يافطاتها، في اللحظات الأكثر تأزماً في حيوات اللبنانيين وتاريخهم الحديث. فهذا ما يشبههما كثيراً، حزباً وجمعية، وهُما به يعبّران عن مضمونهما بكل صدق.

والمقصود ليس مكنون الملتزمين القابضين على جَمرات دينهم رغم الصّعاب. بل مضمون الفراغ من أي شعار أو برنامج أو خطة عمل تُطرح في موسم الانتخابات. لا وزن للمشاريع لدى "الحزب" و"الجمعية"، في زمن شحّ الليرة، والدولار واللولار، الدواء والتعليم والماء والكهرباء، انهيار البنى التحتية بكلّيتها، وغلاء أبسط مقومات العيش. لا عنوان اقتصادياً أو اجتماعياً أو حتى سياسياً، يستقطب به "الحزب" و"الجمعية" الناخبين المترددين أو الموزعين على هوامش البلوكات والمحادل، بعد المضمونين بالعَصَب والقبلية والزبائنية. "الحزب" موزّع بطاقات التموين والمحروقات، و"الجمعية" التي لم تُسمع مرة لأي من شخصياتها مقولةٌ ذات معنى في سياق معاناة الناس وهمومهم.

فليكُن، إذن، التخويف من "داعش" في بيئة "حزب الله"، حيث كل اقتراع لغير الحزب، صك أمان لدواعش سيسبون بنات مجتمعه ويبيعونهن في سوق الجواري. وليكُن التخويف من الزواج المدني والاعتراف بحقوق المثليين والدفاع عن حقوق النساء و"نزع الحجاب"، في بيئة "المشاريع" التي استشعرت خطر لائحة "بيروت التغيير" حتى بين شباب أقرب إلى المُحافظة الدينية والاجتماعية منهم إلى العلمانية.

في الانتخابات، كما في حروب "حزب الله" الداخلية والخارجية، وفي ممارسة "المشاريع" سياسة صفراء لوراثة "تيار المستقبل" المعتكف الآن والمحتضر منذ سنوات... يُستخرَج الدِّين من حُفر سحيقة، بل الأصح أنه نبش الديدان.

ليس أي دِين. ليس دين الصلاة والصيام والزكاة. ليس دين التعبّد أو النزاهة، المعاملة والرحمة بالجيران، أو اتقاء الله في عباده وفي الشأن العام. بل دِين الجسد. جسد المرأة أولاً. حجابها واغتصابها وسَبيها. ثم الأجساد المتفلّتة من القبضة الشرعية والروحية، المتزاوجة بقانون مدني، يرعب، ولو كان اختيارياً، المشايخ وذُكور "الألفا" على رؤوس العائلات وشواهد القبور. ولا تُنسى فزاعة الأجساد التي تختار هويات جنسية لا تعني أحداً سوى أصحابها.

دِين الإثارة والتشويق، يختارون، رغم أن العناوين هذه ليست على رأس البرنامج المدني، خصوصاً لائحة "بيروت التغيير" التي تطرح رؤية طبيعية، تعني كل بيت وأسرة، وتقدم ترشيحاتها على أساسها.

إلى دِين الهرمونات والغرائز، يلجأون، رغم أنك قبل أن تتزوج مدنياً أو دينياً، يلزمك بَيت ودَخل يعيلك، وماء ساخن تستحمّ به قبل الزفاف! وقبل أن تحتكم في الإرث، يفترض أن يحتمل ورثتك كلفة موتك! وقبل أن تخاف على هوية بيروت والنساء المهددات بفانتازيا السبي، الأجدر بك ألا تفقد بيروت في طمطمة انفجار مرفئها، ويفترض أن تحمي النساء والرجال والأطفال من الجوع والعوز والمرض!

دِين السلطة و"القوّامين"، يجيّشون. الصيغة "السيكسي" لانتخابات يريدونها هكذا بورنوغرافية. حتى أن الرغبة الأصلية تمددت إلى جبران باسيل الذي رمى أخيراً أقوى ما يملك من قرائن على أن مَن يصوّت لـ"القوات اللبنانية" كأنه يصوّت لـ"داعش" وإسرائيل. معلوم أن "داعش" بعبع عَونيّ مفضّل، ويُعتقَد بمفعوله الكاسح في الوجدان المسيحي الذي يُظهَّر دوماً خائفاً مستوحداً. لكن يبدو أن إسرائيل استجدّت  في الخطاب المسيحي العونيّ، كمُنشّط جديد، يراه جبران – حليف "حزب الله"، فعالاً في تحفيز الحميّة لحفظ النّوع وخوض صراع البقاء الدارويني.. كيف؟ بالتذكير بأن الحروب الإسرائيلية كبّدت لبنان لاجئين فلسطينيين. هكذا، زاد مكياله الإسرائيلي حبّتين، زودة بيّاع كريم (لكن فاقد ذاكرة مقابلاته مع "سي إن إن")، ليقول إن سمير جعجع كان ولا يزال "جزءاً من المشروع الإسرائيلي".

يا لها من لوحة.. تلك الخطوط البدائية التي يُراد لها التعقيد، فتتعرّج وتتداخل وتلتف، لكنها تبقى بسيطة عائمة على سطح الفوبيا الأولى والمخاوف التي يقال إنها موروثة مع الجينات. فليتقمصوا بلال مؤذّنين زُوراً: "أَحَدٌ أَحَد".. ما زالت هناك عقول يُعوّل عليها وموعد أصواتها الأحد.. الأحد!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024