"من قلب الإنهيار": فنانو "مترو المدينة" يُشابهون الأزمة

يارا نحلة

الإثنين 2020/11/30
مع استمرار تسلط جائحة كورونا على واقعنا، وانتقال المعاش اليومي الى الحيز الافتراضي، أضحى الفن الترفيهي- شأنه شأن سائر واجبات الإنسان المعاصر- حاجة لا بدَ من قضائها وإن على سبيل الافتراض. ومن بين الصروح الفنية التي تقوم بهذه القفزة الرقمية اليوم، مسرح "مترو المدينة" الذي أطلق، مساء السبت، "من قلب الانهيار"، وهو عرض هزلي غنائي "عالأونلاين".

ينسجم هذا العمل مع الهوية الترفيهية لمسرح "مترو"، كمسرح غنائي واستعراضي يمزج بين النقد الاجتماعي والكوميديا الساخرة. تحتل فكرة "الانهيار" قلب العرض، ونرى شذرات منه في كل من "الاسكتشات" التي تحاكي محنة او أخرى: أزمة اقتصادية، جائحة عالمية، انفلات أمني، قمع سياسي... كما استرجع العرض من ذاكرة النوستالجيا اللبنانية أغنيات زمن الانهيار الفائت، كأغاني عائلة "بندلي" التي تصف أزمة اقتصادية شبيهة بأزمتنا، فيتخذ أداؤها في الظرف الحالي طابع الكوميديا السوداء.

اما الانهيار بنسخته الأخيرة، فقد خصَص له العرض مجموعة من الأغنيات الساخرة و"الاسكتشات" الموجهة الى المسؤول الأول عن معاناة الشعب اللبناني، النظام المصرفي اللبناني وعلى رأسه حاكم مصرف لبنان. وبالاستهزاء ايضاً، عبّر صناع العمل والمؤدون عن مأساتهم الخاصة، هي مأساة كل فنان لبناني تآمرت عليه الظروف الاجتماعية والسياسية والصحية لتحرمه من مصدر عيشه. تسخَر شخصيات العرض من الحال الذي وصل اليه معظم اللبنانيين، وخصوصاً الفنانين الذين، إن تقاضوا رواتبهم، فيتقاضونها بالليرة اللبنانية التي أضحت شبه وهمية. يصور العرض الفنانين على عتبة الجوع.. مشاهد قاسية تخفف الكوميديا من وطأتها.

وفي ظل هذا الواقع الاقتصادي المتردي، لا سبيل امام الفنانين للإنتاج سوى التأقلم مع النموذج الرقمي، وان لم يكن مثالياً لشتى أنواع الفنون. إلا أن الإمكانات المحدودة، بالنسبة للمنتج وجمهوره على حد سواء، تقف عائقاً امام التحوَل الرقمي لهذا النوع من المسرح الترفيهي. فقد واجهت العمل مشكلات تقنية كثيرة نظراً لحال "الانترنت" المزري في لبنان، وأبرزها عدم تناسق الصوت والصورة الذي أضفى طابعاً كاريكاتورياً على بعض العروض الغنائية والراقصة، إذ بدت عناصر العرض مفككة ومنفصلة عن بعضها البعض. أما المشكلة الثانية فتجسدت في انقطاع البث مرات عديدة، الأمر الذي تمَ تناوله بشكل كوميدي مع ورود رسالة على الشاشة تفيد بأنه "يتم التحويل من الدولة الى الاشتراك". أما باقة الانترنت المحدودة التي تُشترى لبث العرض فلم تسمح باستكمال معظم "الاسكتشات" التي عُلّقت فجأة، كما انتهى العرض بشكل مباغت مع استنفاذ الباقة.

الى جانب المشكلات التقنية، اعترت العمل ثغرة جوهرية تمس بهوية المسرح الهزلي القائمة أساساً على التفاعل الحي المكثف بين المؤدين والجمهور، فهم يقدمون ما يطلبه المستمعون، والمستمع يعبّر بدوره عن رضاه، ضحكاً ورقصاً، بل ويشارك في النكتة التي تتبلور على المسرح باعتباره جزءاً من واقع هذه النكتة. ويكمن الخطأ الأساسي في تقديم هذا العمل بالأسلوب نفسه التي تقدم فيه العروض الحية في مسرح "مترو"، فلم يبذَل الجهد الكافي لتعديله كي يتناسب مع الصيغة الرقمية، بما تتطلبه الكاميرا والشاشة الصغيرة من شروط تختلف عن شروط التعاطي مع الجمهور الحيَ. وعليه، بدا المؤدون وكأنهم يخاطبون جمهوراً غير موجود، ويصطنعون له حيوية استعراضية تفضحها التعاسة الواضحة على وجوه الموسيقيين والمؤدين الذين يدركون بدورهم سريالية التجربة التي يخوضونها مكرهين.

ولعله يمكن أيضاً القول أن العرض الافتراضي الجديد، بدا، في حد ذاته، وبمشاكله، منسجماً مع الأزمة متعددة الوجوه، ومشابهاً لها، في الشكل والمصاعب. فن يتماهى مع موضوعه، ولو من حيث لا يقصد ولا يشتهي.

(*)"من قلب الانهيار": برنامج كوميدي غنائي حي من بيروت يمت الى واقع الانهيار بصلات متعددة ويلقي الضوء على ما نعيشه اليوم في لبنان.
روبرتو قبرصلي: تمثيل
زياد عيتاني: تمثيل
ياسمينا فايد: غناء
إيلي رزق الله: غناء
روزيت بركيل: غناء
فرح قدّور: بزق
ضياء حمزة: أكورديون وهارمونيكا
بشّار فرّان: باص
أحمد الخطيب: إيقاع

ضيوف شرف:
بول سعدو
خالد صبيح 
منير راشد

كتابة وإخراج: هشام جابر

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024