" قالَ ٳنَّه مُتْعَبٌ
وٳنَّه أصْبَحَ في آخِرِ ٱلعُمْرِ
فَما جَدْوى أنْ يَبْتَهِجَ لِشَيء
وقالَ ٳنَّ ضَوْءَ النَّهارِ يُؤلِمُ عَيْنَيْه
وٱلغُبارَ يُؤذي رئَتَيْه
وَمَكَثَ في غُرْفَته
يَجْلِسُ على حَافَّةِ السَّريرِ مُطْرِقاً
وَقَدْ أسْنَدَ جِذْعَهُ بِساعِدَيْه،
قالَ ٳنَّه مُتْعَبٌ
ولا يَقْوى على السَّيْر في الشّارِعِ
فالنَّفَسُ يُجْهِدُه
كأنَّه ٱعْتادَ على ما يُشْبهُ ٱلاخْتِناقَ
وٱكْتفَى مِنَ ٱلهواءِ بالأقلِّ
ٱلَّذي لا يُحْيي ٱلكناريَّ ٱلَّذي أماتَهُ البَرْدُ،
وقال ٳنَّ الرَّبيعَ
يكادُ أنْ يَقْتُلَهُ
والصَّيفَ باذِخُ ٱلقَيْظ
والشِّتاءَ قارسٌ ومُبْتَلٌّ
وٱلخَريفَ فَصلُ النَّوّاحاتِ
ٱلكئيبُ
ولا يَعْرِفُ لماذا لا تُفارِقُ ٱلبُرودةُ
أطرافَه
وقَالَ خُذِ ٱلخاتَمَ
لا أمْلكُ سِواهُ
وَقَلَمَ ٱلحِبْرِ
ودَثَّرْني بالغِطاءِ الصّوفِ جيّداً،
وهات وجهَكَ أُقبِّلُه
هاتِ يَدَيْكَ
قد لا أراك غَداً،
قالَ ٳنَّه مُتْعَب
ولا يَنام
فاللَّيلُ مُوحِشٌ وقَفْرٌ ومخيفٌ
دقائقُ أو ساعات قد تكون الأخيرة
فَيَنْهَضُ وَيَمْشي في الرّواقِ
يأكُلُ خُبْزاً جافّاً
يَشْرَبُ جُرْعَةَ ماء
وتُؤنْسُهُ جَلبةُ أنفاسِه الثَّقيلةِ
كأنَّ أنفاسه تُحَدِّثُهُ
كأنَّها ٱلأبناءُ وٱلجيرانُ وصُحْبَةُ ٱلكأسِ
والنُّزُهات،
وما كان يُصلّي
وقال: أحبَبتُ مَنْ أحْبَبْتُ
ومن أحَبَّني أعطاني مِنَ ٱلغبطَة ما لا أسْتَحِقُّ،
وَكُنْتُ أحيا وٱلموتُ في رِئَتَيَّ ألَماً وَسُعالاً،
وَكُنْتُ أحيا بالنَّزْرِ ٱلقليلِ
مِنَ ٱلهواءِ وٱلمَلَذّات
سَقيْت النَّباتَ ٱلُمعَرِّشَ حتى ٱسْتطالَ ٳلى
السَّقف
وَوَضَعْتُ الكناريَّ في قَفَصٍ
وأطْعَمْتهُ ٱلحَبَّ وَسَقَيْتَهُ ٱلماءَ
وَماتَ على الرُّغْمِ منّي
وبَكيْتُهُ أيّاماً ثلاثة
لَمْ أُورثْ أحداً مَشَقَّةَ أنْ يحيا مثلي
وألم الرَّبوِ والكَفَاف
جَعَلْتُ لِساعتي وَقْتاً مكَثتُ في ٱنْتِظارِه
لَمْ أُخْبِرْ أَحداً
لكنّي مكثْتُ في ٱنْتظارِه
وَقُلْتُ لها حين أقْبَلَتْ عَلَيَّ
دَعيني أضَعُ رأسي ٱلمُتْعَبَ على صَدْرِكِ
وَلَمْ أقُلْ لها ٳنّني أُريد أنْ أبكي
ولكنّي بكَيتُ
بِضْعَةُ أشياء أعْرِفُها وَحْدي
جَعَلَتْني أبكي
وَلَمْ أكُن خاِئفاً
وَلَمْ أكُن بائِساً
لكنّي بكَيْت".