مهرجانات بعلبك.. كأنهم يعزفون قبل غرق التايتانك

المدن - ثقافة

الإثنين 2020/07/06
قدمت مهرجانات بعلبك حفلاً موسيقياً بعنوان ''صوت الصمود'' للمايسترو هاروت فازليان، بلا جمهور، ومباشرة عبر القنوات التلفزيونية اللبنانية (باستثناء قناة "المنار" التابعة لحزب الله المهيمن على بعلبك). لم يكن الحفل بالمستوى المتوقع لناحية اهتمام الناس، بدا استعادة للماضي الغابر وامجاده على أدراج القلعة الشهيرة، في بلد يعيش أكثر من أزمة في وقت واحد، بين الكورونا والسياسة والدولار والحوادث المتنقلة والتلوث...

بالطبع يعتبر الكثير من اللبنانيين أن عودة الحياة الى المهرجانات اللبنانية عموماً وبعلبك خصوصاً، جزء من عودة الحياة إلى طبيعتها، وعودة لبنان الى طبيعته، لكن حفلة بعلبك بدت في تفاصيلها الآن كأنها اعلان بأن فكرة لبنان ما زالت موجودة في ذكرى تأسيس لبنان الكبيرة، لكن الحياة مؤجلة حتى إشعار آخر... هكذا نحن، وهذا جونا في بعلبك، لكن هذا الجو اصبح في خانة الافتراض بانتظار انقشاع الحلول...

وأخذ الحفل الكثير من الجدل والقيل والقال في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ قرأنا عنه الكثير من الاطراء غير المبرر، والهجوم المبالغ فيه. تحول الحفل إلى مادة للنقاش عن لبنان ككل... وتعليقات فايسبوك بدت أشبه بسوق عكاظ وهايد بارك صاخب. أحدهم ينسب نجاح المهرجانات في السابق الى "المارونية السياسية"، من باب النوستالجيا الى ذلك الزمن، والقصد بذلك أن المارونية كانت أفضل من الزمن الراهن... الزميلة صبحية نجار أثنت على تقديم الحفلة من باب الأمل في عودة المهرجانات ورفضاً للعنف الدائر في نواحي المدينة من وقت لآخر. قالت إن بعلبك تكسر العتمة التي نعيش فيها لساعة واحدة فقط، على أمل أن توقف موسيقى مهرجانات بعلبك اليوم، أصوات الآر بي جي والمدافع اليومية بين آل وهبي وآل زعيتر وآل الصلح. الناشط الفايسبوكي "أبو حجل" كتب: "مهرجان بعلبك طعنة في صدر كل محب للموت وفي صدر المافيات السياسية والمذهبيين والمتزمتين وكارهي الحب والموسيقى والتطور والأخلاق. نريد استعادة لبناننا الجميل المتسامح، وطن الجميع يتسع للجميع يشارك الجميع في عزف موسيقاه من دون سؤاله عن دينه او زعيمه او منطقته".

أما الإعلامي يقظان التقي، فكتب: "ليلة مجازات موحية موسيقية في مهرجان بعلبك، سينوغرافيا صوتية فيلهارمونية موسيقية عالية وتمثيلية لنتاجات مدينة الشمس الفنية المحلية والعالمية بقيادة حركية متفجرة لهاروت فازليان. وسينوغرافيا بصرية وتشكليلية وتصويرية، وسينوغرافيا حركية تمثيلية لذاكرة وتاريخ وحنين عبر مئة عام وتذكارات لكل الذين مروا، وصنعوا مسرح لبنان وحداثته نحو العالمية. لكن كأنها ليلة وداعات في حضرة غياب الناس..! هل تكون مفتوحة على بدايات، أم رومنطقيات متأخرة، من يدري؟".
وكتب الدكتور أنطوان قربان: "وكأن لبنان الزمن الجميل يلفظ آخر أنفاسه"، ويلتقي كلامه مع الزميلة ديانا مقلد التي اعتبرت الحفلة "بمثابة وداع مهيب للوطن الجميل"، وشبهت الزميلة أسرار شبارو المهرجان بفيلم تايتانك، إذ الباخرة تغرق وهم يعزفون قبل الموت. وقالت الزميلة جنى نصرالله: "حتى لو بدّي نغص عليكم الفرحة والبهجة بمهرجان بعلبك الافتراضي بما انو نحن عايشين عالافتراض وبالافتراض، ملاحظة عالهامش: هيدا مَش لبنان... هيدا كان لبنان... اليوم لبنان غير شي تماماً... واذا ما اعترفنا بالحقيقة مَش رح نعرف نطلع من الجورة، هيده طبعاً إذا افترضنا انو رح نطلع أصلاً. ملاحظة: ما دام خبر انتحار مواطن من الجوع بيجي خبر عاشر بنشرات الأخبار، وخبر حفلة موسيقية هو عنوان أول بكل النشرات مع كل لزوم الانبهار... فهذا بلد مفصوم بالطول وبالعرض ولا يعوّل عليه. فيلينغ: بوست مَش شعبي أبداً، اعذروني مني قادرة اتفاعل مع هالحدث - الجلل (حفلة موسيقية ببعلبك: سو وات؟؟)".

واعتبر الاستاذ نعمة نعمة "أن حفل بعلبك تقدمه سلطة فاسدة لتبييض وجهها الممزوج بلحظات موت واعتقال وتعسف وفقر وبطالة... لا يمكن أن يكون بصيص أمل ممن أحاطنا بهذا البؤس... يذكرني هذا العمل بما كان يقوم به الملوك بعد إجتياحهم لممالك ومدن أخرى... كان يسير خلف الجيوش ما كان يُعرف بالمهرجين.. مباشرة بعد احتلال وفتح المدينة كان يصل جيش المهرجين بأمر من الملك المنتصر ليحيي احتفالية وينظم مهرجان الفرح والعودة والنصر... على أنقاض المدينة وجثث". وقالت روان حلاوي: "ما بعرف ليه هلأد حاسة بالإستفزاز والغضب من مهرجان علّي الموسيقى تبع بعلبك يلي حتى ما اقدرت لا تابعوا ولا أحضروا.. الشي الإيجابي الوحيد انو هالفنانين قدروا يشتغلوا بركي بيصمدوا كم يوم زيادة بهالبلد".

أما الفنان غسان الرحباني، فغنى على ليلاه قائلاً: "الى القيّمين على مهرجانات بعلبك الدولية.. إن استبعاد مسرحية "ومن الحب ما قتل" لغسان الرحباني والموسيقار الكبير ملحم بركات من قائمة الأعمال التي مرّت على تاريخ بعلبك (2010) خبيث وحاقد. يا أيتها اللجنة الكريمة، إن هذا العمل يُشرّف لبنان أكثر بكثير من أعمال أُخرى ذُكِرت، فهنيئاً للذكرة المئوية لتأسيس لبنان الكبير وألله يرحمك يا أيها الكبير ملحم بركات".

ثمة تعليقات على مهرجانات بعلبك مخجلة ومثيرة للغثيان، وقائمة على الحقد والضغينة وكراهية الموسيقى والالغاء... أحدهم يعتبر الحفلة وموسيقاها غريبَين عن بعلبك، وآخر يحرض على قناة mtv التي شاركت في النقل، فاعتبرها في خانة الصهيونية والعميلة ولا يتردد في التحريض على القتل، وثالث يستحضر مشهدية داعش في المدن ليذكر ببطولات حزب الله..

هذه صورة بعلبك ومهرجاناتها في دوائر فايسبوك، تعليقات على حفلة موسيقى تشبه التعليقات على كل شيء في هذه الجمهورية المُربكة في كل شيء، في صورتها وثورتها وسلطتها ومهرجاناتها ومستقبلها وماضيها وحاضرها وحكومتها...
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024