حين صنع غي ديبور لعبة حربه

روجيه عوطة

الأربعاء 2020/11/25
تمكن ايمانويل غي من تعريف قرائه على جانب من جوانب غي ديبور، وهو صلته المتينة للغاية باللعب(*). صحيح أن هذا الجانب، وعند الاطلاع على أعمال بطرك الموقفيين، يستوي على جلائه نوعاً ما، لا سيما بعد إعادة نشر "jeu de la guerre" (غاليمار، بالاشتراك مع أليس بيكر)، لكنه غالباً ما يُؤخذ على الهامش من المجموع النظري لذاك البطرك، أو على الأقل، كجزء ضئيل منه. بالطبع، أخذه على هذا النحو هو أخذ مخطئ، أو متسرع، بحيث أنه يرتكز إلى كون المجموع اياه منقطعاً عن الممارسة، لكنه فعلياً ليس كذلك، بل إنه متصل بها بطريقة مباشرة، بل إنه يدور حولها. فديبور كان، وحين يمضي إلى نظريته، يذهب بها على سبيل مزاولتها، ومن هنا، كان يركن إلى اللعب.


في هذا السياق، اول تمكن غي من تقديم ديبور بوصفه لاعباً، هو تحديده لدواعي ذلك الركون. فيعود إلى الخمسينات، حين بدأ ديبور بالاهتمام بدروس الحروب: نابوليون، كومونة باريس، كارل فون كلاوزفيتز، ميكيافيلي الخ. وخلال ذلك، وقع على "لعبة الحرب"Kriegsspiel، فشرع في الهجس في كيفية الاستفادة منها لأجل بناء استراتيجيات وتكتيات تتيح له أمرين: الأول، أن تحمل نظرياته إلى التطبيق، والثاني، أن يستنبط منها نظريات. في هذه الجهة، يشير غي إلى أن ديبور كان حريصاً، وفي مبحثه حول اللعب، على أن يبقي تفكيره الثوري حياً، مجنباً اياه الموت بالتحول إلى تفكير كليشيهاتي-كما هي حالته اليوم! - أكان عبر تجميده أو عبر جعله مجرد مدونة فنية لا تغني ولا تسمن. يخبر غي أن ديبور كان، وعلى الدوام، ينظر إلى مصير فكره، أو المسارات التي يسلكها، ولهذا السبب أيضاً، كانت لعبة الحرب بالنسبة اليه ضرورية لأنها توفر له فرصة لتوقع مستقبلات أفكاره. إذ إن تلك اللعبة، تسمح له، أو هكذا يحسب، أن يقي أفكاره من التقاطها، أو تحويرها، أو تفريغها، مثلما انها تسمح له أن تحمله إلى الربط بين كونها جدلية وكونها استراتيجية. التفكير، في ظن ديبور، وحين يكون حربياً، فهذا لأنه لعبي، وحين يكون لعبياً، فهذا لأنه في حركة مستمرة، بمعنى التبدل، في إثر علاقته مع تحققه. فعندما يتوقف عن هذه الحركة، وعن تلك العلاقة، قد ينقلب الى رطن، يعني إلى ترداد عبارات من رطانته.

في أثناء شرحه لصلة ديبور باللعب، يربط غي بين هذه الصلة والتصميم. إذ إن ديبور، كان، وفي اهتمامه بلعبة الحرب، مضى إلى تطويرها، وصناعة واحدة خاصة به. وهو، في الواقع، واظب على ذلك طوال حياته، مستعيناً بصحبه من الموقفيين. في هذه الناحية، يعقد غي ربطه بين لعبة ديبور ومشروع المصمم الإيطالي الشهير أنزو ماري AUTOPROGETTAZIONE. فقد كان ماري يريد من مشروعه ان يدفع المطلع عليه إلى أن يصنع طاولته وكرسيه وأثاثه بنفسه، وبالتالي، يتفاعل معه على أساس بغيته. وهذا ما كان ديبور يرمي اليه أيضاً من لعبة الحرب، التي وضعها، أي أن يحض المشارك فيها على تغييرها، أو على إنتاج استراتيجيات منها. وهذا عدا عن تواصله مع لاعبيها الآخرين، وتبادله الاستراتيجيات معهم في حين محاربتهم.

على أن ديبور لم يضع لعبته تلك، وعلى طريقة ماري، من أجل هذا كله فحسب، بل أيضاً، من أجل التربح منها. فيروي غي كيف حاول ديبور ان يقنع صديقه المنتج الشهيد جيرار ليبوفيتش (قتل غدراً العام 1984 باريس، وحامت شبهات حول مشاركة ديبور ذاته في اغتياله) الترويج للعبة في الولايات المتحدة الأميركية، وبذلك، يجني بعض المال منها. لكن خطة الترويج لم تنجح البتة. الا ان ما نجح لاحقاً هو تحويل لعبة ديبور الحربية إلى لعبة فيديو، بالإضافة إلى تحولها إلى لعبة للتسلية خلال أوقات الراحة في امبراطوريات الستارت-آب أيضاً.

(*)Emmanuel Guy, le jeu de la guerre de Guy Débord, édition B42

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024