"تجمع إغاثة المسرح في لبنان".. شبكة أمان بديلة

حسن الساحلي

الجمعة 2020/08/28
قرر عشرات العاملين في القطاع المسرحي من مخرجين، كتّاب، ممثلين، وفناني صوت وإضاءة ... التجمع ضمن جسم واحد هدفه الرئيس إغاثة المسرحيين، عاملين وطلاباً، الفرق، والفضاءات المسرحية المتضررة بسبب انفجار المرفأ.

نواة التجمع بدأت كمجموعة في "واتساب" أنشأتها المخرجة والممثلة سحر عساف، وضمت معارفها من العاملين في القطاع، قبل ان تتطور المجموعة من الناحية العددية، لتضم أكثر من مئة شخص.

أول الخطوات التي قام بها التجمع، كانت خلق عرض وهمي عبر وسائل التواصل الإجتماعي تحت عنوان "لا عرض الليلة -المدينة مغلقة حتى إشعار آخر" ليكون بمثابة منصة (أشبه بالـCrowd Funding) للتبرع للأفراد والفضاءات، يقوم من خلالها المتبرع بشراء بطاقات العرض بالسعر الذي يحدده والكمية التي يرغب فيها، باستعمال واحدة من شركات الحجز (مثلا Ihjoz).


استطاع التجمع حتى الآن الوصول إلى عدد كبيرمن الأفراد والمؤسسات والمسارح الناشطة حول العالم، وأمّن مبالغ جيدة يفترض أن تزيد في المستقبل.

وفق إحدى اعضاء التجمع، المخرجة والأستاذة المسرحية علية الخالدي، يتبع التجمع اسلوب غير هرمي في عمله، يقسم الأعضاء إلى مجموعات تتخصص كل منها بمهمة معينة، مثل تنظيم التبرعات، التواصل مع المتضررين، التعامل مع الإعلام، تحديد أولويات الدعم... وهو الآن في مرحلة كتابة أوراق العمل والأسس والمبادئ التي يقوم عليها، ومنها عدم وجود قيادة واحدة، الشفافية، المساواة، والنقاش الدائم.

ما زال التجمع في مرحلة إحصاء الفضاءات والتواصل مع الأفراد الذين تعرضوا للضرر المباشر من أجل تحديد الأولويات ولمعرفة الطريقة التي يجب المساعدة من خلالها "من دون تفرقة بين العاملين في القطاع من ناحية الجندر أو الجنسية أو طبيعة العمل المسرحي الذي يقومون به" (يذكر أن نسبة كبيرة من السوريين والفلسطينيين موجودة في المجال بالإضافة إلى فنانين من خارج العالم العربي).

ألمّت بمسارح عديدة أضرار كبيرة، من بينها "مسرح الجميزة" الذي أعاد جو قديح تجديده العام 2013، ويحاول الأصدقاء تأمين تبرعات له عبر موقع Gofundme اليوم، و"مسرح زقاق" في الكرنتينا الذي يحاول تأمين الدعم من المؤسسات الصديقة التي يتعاون معها بشكل دوري، و"مسرح مونو" الذي يفترض ان تتكفل به الجامعة اليسوعية بما أنه تابع لها، بالإضافة إلى مسرح ملكونيان في برج حمود وقد تعرض أيضاً لأضرار متوسطة.

وهناك عدد من المؤسسات المتضررة التي اختارت ان يكون مركزها في الجميزة ومارمخايل، مثل مؤسسة "إتجاهات" و"آفاق" التي تلعب دوراً مهماً في دعم المسرح، كما أن هناك فضاءات لفرق مسرحية تستعمل للتدريب والعرض، وقد تضررت، بالإضافة إلى فضاءات هجينة Hybrid تعرض أعمال فنانين متنوعي الأنماط (تهتم بالفن الأدائي والرقص المعاصر بشكل خاص) وتتمركز في أمكنة غير بعيدة من المرفأ.

من هذه الفضاءات مثلاً "أشكال ألوان" التي انبثقت من النهضة الفنية والمسرحية التي شهدتها بيروت بعد الحرب، وتساهم دورياً في إنتاج مشاريع مسرحية وتخريج فنانين أدائيين، و"مركز بيروت للفن" يقدم ويدعم العروض الأدائية من وقت لآخر، بالإضافة إلى أمكنة تستقبل العروض والتدريبات والحفلات مثل "ستايشن" و"رواق"، و"زيكو هاوس".

وتعرضت فضاءات أبعد نسبياً لأضرار متوسطة ومنخفضة، مثل "مسرح المدينة" الذي جرح أحد العاملين فيه، "مسرح دوار الشمس" الذي أصيب بأضرار في البوابة والزجاج، بالإضافة إلى عدد من المسارح غير المعروفة كثيراً في الوسط الثقافي، لكنها تستعمل للحفلات والتدريبات المدرسية، مثل المسرحين الموجودين في مركز أبراج في فرن الشباك، اللذين يديرهما سليمان زيدان وطوني فرج الله (الثاني كان يفترض ان يفتتح رسمياً العام الماضي لكن تم تأجيل الموعد).



من ناحية الأفراد، الوضع أسوأ بلا شك، أولاً بما أن عشرات العاملين في المجال اختاروا العيش في منطقتي الجميزة ومارمخايل، خصوصاً بعد تراجع منطقة رأس بيروت التي أغلقت مسارحها وأصبحت الإيجارات فيها غالية بالمقارنة بإيجارات مارمخايل مثلاً او الجعيتاوي التي ستصبح أكثر جذباً للفنانين بشكل عام (تحديداً إثر الفورة العقارية التي شهدتها بيروت منذ العام 2008)، وثانياً بما أن الفئات العاملة في المسرح تعتبر هشة بشكل عام ولا تمتلك الضمانات نفسها التي يحوزها الموظفون مثلاً، ولا تحميها اجسام نقابية فاعلة وتعاونيات يفترض ان تشكل شبكات أمان لها من الناحية المادية (لو كانت النقابات فاعلة بشكل كامل، لما كان هناك ضرورة لتأسيس تجمع لإغاثة المسرحيين!). علماً أن جزءاً كبيراً من المسرحيين كان يعتمد على المشاريع الفردية التي يقدمها بشكل دوري على خشبة المسرح، وكل هذه المشاريع توقفت اليوم كلياً بسبب انتشار فيروس كورونا.

يذكر، أن جزءاً من العاملين في القطاع لجأ إلى العمل ضمن مجالات مختلفة عن المسرح لتأمين النقود، مثل التلفزيون، السينما، الإعلانات، المؤسسات التعليمية ومنظمات المجتمع المدني، لكن تبقى هذه المهن غير دائمة وتعتمد على فترة زمنية محددة كما هو الحال مع المشاريع الفنية.

تغيب الدولة عن الصورة كلياً اليوم، كما هو الحال بالنسبة لجميع المتضررين من الإنفجار. لذلك، تلعب شبكات خارجية هذا الدور، كما لعبت سابقاً دوراً في النهضة التي شهدها القطاع خلال السنوات الماضية. ساهم في هذه النهضة فنانون سوريون ومؤسسات وصناديق دعم عربية وأجنبية متخصصة بالفنون، وقد وصلت هذه النهضة إلى أعلى مراحلها قبل أعوام قليلة، مع زيادة العروض لتصل أحياناً إلى 5 او 6 عروض اسبوعية وهو رقم قياسي لم يشهده لبنان منذ الحرب، ومع ظهور انماط مسرحية مختلفة وفضاءات جديدة ومسارح غير تقليدية (مثل الكافيه تياتر) ساعدت الشباب على عرض أعمالهم بأسعار غير مرتفعة (كما ترجمت هذه النهضة بارتفاع مستوى الاعمال ومشاركة بعضها في مهرجانات عالمية).



لكن هذه النهضة ستبدأ بالتراجع بشكل دراماتيكي العام 2019، مع توالي الكوارث على لبنان، من الأزمة الإقتصادية التي ستهدد المؤسسات بالإغلاق، إلى فيروس كورونا الذي سيجبر هذه الفضاءات الجديدة على ايقاف نشاطاتها، وسيصيب الفن المسرحي بالشلل التام، ليس فقط بسبب منعه الجمهور من دخول الصالات، بل ايضا بسبب منعه الممثلين والعاملين في القطاع من اجراء التدريبات احيانا (خوفاً من الإصابة بالفيروس) لتنحصر الممارسات المسرحية المسموح بها في الكتابة، والقراءات التي تتم عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وهو ما هدد الفضاءات المسرحية بإغلاق أبوابها نهائياً، والعاملين في المجال بالتسرب الى مجالات اخرى او الهجرة كلياً من لبنان.

من هنا، تكتسب مبادرة "تجمع إغاثة المسرح في لبنان" أهمية كبيرة اليوم، لأنها تأتي في مرحلة دقيقة يمكن أن يفقد خلالها المجال كل الإنجازات التي تحققت في السنوات الماضية، بالإضافة لأنها تخلق نموذجاً للتآزر الجماعي الذي يحتاجه المسرحيون بشكل مُلحّ في هذه الظروف المأساوية، خصوصاً في حال تطور التجمع في المستقبل ليمهد لولادة شبكة أمان للمسرحيين تساعدهم على الوقوف على اقدامهم خلال ازمات أخرى مشابهة يمكن ان تعصف بهم.

(*) إن كنت متضررا/ة من الإنفجار وتعمل/ين في مجال المسرح يرجى ملأ هذه الإستمارة.

(**) إن كنت راغبا/ة بالتبرع يرجى الضغط هنا.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024