"الإسكندر الأكبر عن الحكي" آليساندرو باريكو

المدن - ثقافة

الأربعاء 2019/06/12
يصدر قريباً عن منشورات الجمل كتاب "الإسكندر الأكبر/عن الحكي"، لآليساندرو باريكو، ترجمة أماني فوزي حبشي، ننشر مقطعاً منه بالاتفاق مع الناشر.

 

من محاضرات مانتوفا([1])

 

كانت سِنّ الإسكندر المقدوني 22 سنة عندما أبحر بصحبة جيشه المكون من 50 ألف جندي إلى آسيا الصغرى، ألقى في حركة رمزية برمح على تلك الأرض، على أرض آسيا، وقال: "هذه الأرض من حقي، ولم يكن هناك مجال للنقاش في ذلك، لأنني سأحصل عليها بالقوة". وكانت كلماته حاسمة.

كان شابًا صغيرًا -لم تكن سنُّه تزيد على 22 عامًا- وكان قد ورث الحلم بغزو أرض الفرس من أبيه الذي كان قد اغتيل بعد حملة مشابهة. كان قد ورث أيضًا من أبيه ما نسميه اليوم "التبرير الرسمي لهذا الغزو"، ولكن كانت الأزمنة مختلفة تمامًا، لأنك إذا رغبت في الحصول على شيء كنت لتحصل عليه دون الحاجة إلى تبرير تصرفاتك أمام عصبة الأمم المتحدة.

كانت القصة التي يتمسك بها هو وجنوده -والتي حكاها والده- هي أنهم يفعلون ذلك بدافع الانتقام، سننتقم لأن الفرس هجموا على أرضنا، أرض اليونان، وحطموا معابدنا. كانوا يشيرون بذلك إلى شيء قد حدث بالفعل ولكن قبل ذلك بمدة طويلة، حوالي 150 عامًا. وكان ما حدث في الحقيقة هو أن الفرس قد هبطوا إلى اليونان، وكانوا في اليونان يستخدمون في تلك الفترة استراتيجية حربية شجاعة جدًّا، أخذ اليونانيون يتقهقرون تاركين لهم مدينتهم، وفي ذلك الوقت ترك أهل أثينا مدينتهم، وأخذوا ينسحبون نحو الجزر، وأخذ الفرس يحطمون ما يقابلونه في طريقهم، من الغضب، ولأنهم لم يفهموا ذلك المنطق، انتظرهم اليونانيون وأهل أثينا في ذراع بحرية صغيرة، وكان لدى الفرس عدد من السفن الضخمة جدًا، وكانت لدى أهل أثينا سفن أقل ولكنهم كانوا مهرة جدًا في التحكم فيها، وانتظروا في مضيق ضيق، ولكن قبلها كانوا قد قبلوا أن يتركوا كل شيء خلفهم، الأراضي والممتلكات، واستطاعوا فعل ذلك، وخاطروا بكل شيء. وكان هذا هو الحدث الذي يشير إليه فيليب المقدوني عندما كان يقول: "نحن سنعود إلى هناك، وسنذهب إلى أرضهم وسنستولي عليها لننتقم لشرف اليونانيين".

وكانت قصة غريبة بعض الشيء لأن فيليب كان مقدونيًا، فهو لم يكن يونانيًا، لم يكن يحاول الانتقام فقط من شيء حدث قبل ذلك بأعوام كثيرة، ولكنه لم يكن شيئًا قد حدث بالفعل لأرضه أو لشعبه.. كان شيئًا حدث لليونان. ماذا كانت إذن علاقة فيليب باليونان؟ كان شخصًا استطاع بطريقة أو بأخرى أن يربحها، لم يكن هو من يحكم اليونان، كانت بعيدة عن سلطاته ولكنه من خلال قدراته الحربية استطاع أن يصل إلى نوع من السيادة، كان هو تقريبًا المرجع بالنسبة إليهم.

ولكنه كان مقدونيًا، لم يكن يونانيًا بمعنى الكلمة، كانت لشعبه وله تقاليد مختلفة، ولكنه باسم اليونان نقل إلى العالم كله حكاية مختلفة. سنصل إلى هناك وسننتصر عليهم وسنحرق معابدهم. وعندما رحل الإسكندر، رحل بالقصة نفسها، كان يحمل تلك القصة ويحملها معه جنوده أيضًا. أول شيء قام به الإسكندر كان غريبًا جدًا، كانت أمامه أرض متسعة الأركان، كان هو يعرفها فقط من خلال التخمين، والشيء الأول الذي قام به هو أنه ترك الجيش ليتجه إلى آسيا الصغرى وتوقف هو في جزيرة صغيرة، تقريبًا بمفرده، وذهب ليزور قبر بروتيسيلوس. في زمن حرب طروادة كانت هناك نبوءة بأن اليوناني الأول الذي سيطأ بقدمه أرض طروادة سيموت على الفور، وكان هو الأول، وبالفعل كان أول من قُتل. وأول مكان توقف عنده الإسكندر في آسيا كان ذلك المكان، وفعل ذلك لتكريمه. وكانت تقريبًا أسطورة، إلا أن الإسكندر قدم الذبائح، وقام بالطقوس الخاصة بذلك، ثم رحل وذهب إلى شاطئ محدد والذي يُقال إن أخيل رسا عليه عندما ذهب إلى طروادة، وهو تصرف عجيب وسيريالي بعض الشيء، وذهب إلى قبر أخيل هو ومن معه من أصدقائه المقربين، ولدينا تفاصيل الطقس الذي قاموا به، فلقد تجردوا تمامًا من ملابسهم، ودهنوا أجسادهم بالزيوت المقدسة، وجروا حول قبر أخيل. ماذا كانوا يفعلون؟ بالإضافة إلى أن الحملة كانت مجنونة. ولنفكر أنه كان معه 50 ألف جندي فوق أرض يمكن لملكها، الذي يبلغ عدد رعيته على الأقل مليون نسمة، أن يجمع بسهولة جيشًا مكونًا من ثلاثة أضعاف عددهم، 150 ألف جندي، في أي لحظة. لم يكن الأمر فقط يتعلق بالعدد، ولكن أيضًا بتراث تلك البلاد، كانت بلاد الفرس ذات باع طويل وتاريخ عريق، فقبل أن يُكتب شيء ما ذو معنى باليونانية، كانت الأشعار الفارسية تتميز بالذوق الرفيع، وكانوا يتميزون بالذوق الرفيع في كل شيء، كانوا أغنياء، وكانوا يعتنون عناية فائقة بكل متعة من متع الحياة، إلى حد أنه توجد تلك الأسطورة التي تقول إن الإمبراطور وعد بمكافأة كبيرة لمن يتقدم إليه وقد اخترع متعة جديدة. بل إنه بعد أن دخل الإسكندر للمرة الأولى إلى خيمة داريوس، ملك الملوك، والذي هرب وحاول العثور عليه بلا فائدة، وكانت خيمة الحرب كالقصر، وتنقل القصة العبارة المحددة التي قالها الإسكندر عندما دخلها: "آه، هكذا إذن يكون المرء ملكًا!" لم يتخيل قط رفاهيةً من هذا النوع، حوض الاستحمام الضخم، وكانت لديه الرغبة الشديدة بعد المعركة أن يستحم فيه. ولكن إذا نظرنا إلى خريطة العالم وقتها يمكننا أن نلاحظ الفارق الرهيب بين حجم أرضه، والحجم الرهيب لأراضي الإمبراطورية الفارسية التي قال إنني سأستولي عليها بالقوة. ما الشيء الذي يمكن أن يدفع إنسانًا ليفعل شيئًا مثل هذا، شيئًا غير واقعي بالمرة؟ فيمَ يا ترى فكر الفرس، وداريوس عندما أخبروه؟ لم يكن شعب الفرس شعبًا يتحدث كثيرًا عن تاريخه مثل الشعب اليوناني.

ولكن ما الذي دفعه ليفعل شيئًا مثل هذا؟

 


ربما تمنحكم تلك الخريطة فكرة صغيرة عن جنون تلك الحملة. ماذا يمكن أن يدفع المرء ليقوم بشيء من هذا القبيل، شيء لا يصدقه عقل؟ كيف فكر فيه الفرس؟ عندما استيقظ داريوس في الصباح وأتى إليه شخص ليخبره بهذا الهجوم، فيمَ فكر؟ لا نعرف شيئًا تقريبًا عما كان يفكر فيه الفرس لأنه كان شعبًا غامضًا لم يهتم كثيرًا بكتابة تاريخه، فنحن نعرف كثيرًا عن اليونانيين والمقدونيين لأنهم كانوا يحبون جدًا كتابة تاريخهم.

ومن هنا نعرف قصة الإسكندر ومن تصرفاته الأولى نستطيع أن نعرف شيئًا عن الغريزة التي كانت تحركه، تلك الغريزة التي سنتحدث عنها هذا المساء، هي أن هذا الرجل كان لديه حلم، وكان لا بد أن يعضده بقصة يعرفها الجميع. كان الناس يعرفون قصتين، تلك الحقيقية عن هجوم الفرس والمنازل التي تحطمت، والأخرى التي اعتمدت على الأسطورة والخيال، وربما استندت بعض الشيء أيضًا إلى التاريخ، تلك القصص التاريخية التي كانت تنتقل من أب لابنه، مثل قصة أخيل وقصة طروادة. وأخذهما معًا، واحدة تلك الخاصة بأبيه وانتقامه من الفرس، والثانية كانت فكرة تستحوذ عليه، فقد كان ابن أقوى ملك في تلك المنطقة الجغرافية في ذلك الزمن، وكان معلمه هو ذلك الغالي على الجميع، أرسطو. وعرف الإسكندر الإلياذة على يد أرسطو، ربما عرف أيضًا الأوديسية ولكنها لم تكن تهمه كثيرًا. كانت الإلياذة هي المعركة والحرب، وكانت هي كتابه المفضل، حلمه، كانت القصة التي كبر معها. وكان قد كبر على ضوء تلك الشخصية، شخصية أخيل، قلب الإلياذة، نصف الإله، الذي لم يكن في الإمكان هزيمته، تجسيد الحرب والشجاعة. كان قد كبر وهو معه، وعندما اتخذ خطوة تحدي أكبر إمبراطورية في العالم وتغيير قصة حياته، كان ما فعله هو ارتداء القصة التي وُلد معها، والتي كبر معها، ورأى نفسه هو هذه الشخصية. كان أخيل، إذا غيرنا الزمن، ما يمكن أن يكونه الملك آرثر بالنسبة إلى الشخص الإنجليزي، أكبر بكثير من مجرد قصة، أسطورة. كان يرغب في أن يكون هذا الرجل. كان هناك شيئان من أغرب الأشياء التي قام بها في تاريخه الحربي، أحدهما هو هذا، زيارته لقبر أخيل في طروادة، والشيء الآخر فعله عندما ذهب إلى مصر، وللمرة الثانية يترك قواته ويذهب مع المقربين منه في رحلة في الاتجاه المعاكس نحو الصحراء الليبية، التي نعرفها اليوم، على بعد مئات الأميال، والتي نجا منها بأعجوبة، وكان ذلك الذي فعله في قلب هذه الصحراء هو أنه أراد التحدث مع إله. كان يوجد هناك معبد مكرس للإله آمون، وهناك ذهب لمقابلة عراف، والذي كان مثل زيوس، ولكن على تلك الأرض، وفعل هذا لأنه كان العراف الشرقي الأخير، وكان لديه كثير ليسأله لهذا العراف، ودارت حول ذلك نظريات كثيرة، ولكن كان أجمل الأسئلة هو أنه ذهب إلى هناك ليسأل هذا الإله إذا كان هو أباه. كان معروفًا عنه أن لديه ذاتًا متضخمة بعض الشيء، ولكن في ذلك العصر، بجانب أنه كان يُقال إنه من نسل أخيل من جهة الأم، وكان أخيل نصف إله. كان عديد من الأبطال ينتسبون جزئيًّا إلى آلهة، وكان هو لديه هذا الشك، والذي زرعته أيضًا فيه أمه. ما الذي أراد الإسكندر العثور عليه؟ بعد أن عثر على القصة، وعلى الأسطورة، ماذا كان يريد أيضًا؟ كان يريد أن يعثر على تاريخه هو، كان يرغب في أن يعرف من يكون. كان عليه أن يفعل ذلك قبل كل شيء إذا كان يريد أن يطيح بأكبر الإمبراطوريات في ذلك الزمن.

يمكننا الآن بطريقتنا المعاصرة لقراءة كل هذا أن نقول إنها الدعاية، ولكن هذا سيُفقد المرء الجزء الأكثر أهمية من هذا كله. لم يكن الأمر بهذه البساطة، إن فكرة إلقائه السهم على أرض الفرس وإعلانه أنه سيستولي عليها لن تصل في المساء إلى قنوات التليفزيون للجميع ليروها. لقد قام بهذا أمام جنوده، بطريقة أو بأخرى كانت رسالة، وكان انتشارها سيستغرق سنوات قبل أن يحدث. ربما كان هناك نوع من الدعاية في الأمر ولكن لا يتعدى عشرة في المائة.



([1]) محاضرات مانتوفا هي ثلاث محاضرات ألقاها باريكو وأذاعتها هيئة الإذاعة والتليفزيون الإيطالية Rai على قناتها الخامسة، كانت عن الحكي والحقيقة والسعادة، وألقاها بمناسبة المهرجان العشرين للأدب على المسرح الاجتماعي بمانتوفا.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024