يوم صامَ آدم وابيَضَّ جسدُه

محمود الزيباوي

الثلاثاء 2021/04/20
يتردد اسم آدم خمساً وعشرين مرة في القرآن الكريم، حيث يأتي ذكره في تسع سُوَر. يقول الكتاب، إن الله خلقه وسوّاه من طين، ونفخ فيه من روحه، وجعله خليفة في الأرض، ثم أسكنه الجنة بعدما خلق له زوجة يسكن إليها، وأباح لهما كل ما فيها إلا شجرة واحدة عيّنها لهما، لكنهما خالفا هذا الأمر حين وسوَس إبليس لهما بالأكل منها، فعاقبهما الله وأخرجهما من الجنة. شكّلت هذه القصة أساساً لروايات عديدة تتناول بالتفصيل سيرة آدم وحواء في الجنة وعلى الأرض، منها رواية تقول إن آدم كان أول من صام من الناس، وان أول صيامه كان عقب نزوله إلى الأرض وقبول الله دعاءه وتوبته.

في التقليد الإسلامي، كان آدم أول من صام من البشر، وعُرف صومه بـ"صوم البِيض"، وتردّد هذا الخبر في متون كتب الحديث على مدى قرون من الزمان. في "الكشف والبيان عن تفسير القرآن"، نقل أبو إسحاق الثعلبي حديثاً يُنسب للإمام علي، وفيه: "لما أهبط آدم عليه السّلام من الجنّة إلى الأرض، أحرقته الشمس. فاسودَّ جسده ثمّ صام اليوم الثالث. فأتاه جبرئيل فقال: يا آدم أتحب أن يبيضَّ جسدك؟ قال: نعم. قال: فصُم من الشهر ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر. فصام آدم عليه السّلام أول يوم، فابيضّ ثلث جسده، ثمّ صام اليوم الثاني فابيضّ ثلثا جسده، ثمّ صام اليوم الثالث فابيضّ جسده كلّه. فسُمّيت أيام البيض".

يبدو هذا التوصيف أشبه بعوالم روايات "الواقعية السحرية" ويتكرّر في "مشارق الشموس الدرية في أحقية مذهب الأخبارية"، وفيه يذكر الشيخ آقا حسين الخوانساري "صوم أيام البيض بحذف الموصوف"، ويضيف: "أي الليالي البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر، سُميت بذلك لبياض لياليها أجمع بضوء القمر، هذا بحسب الشهرة واللغة، ورُوي عن النبي صلى الله عليه وآله إن آدم عليه السلام لما أصابته الخطيئة، أُهبط إلى الأرض مسود، أو نودي من السماء: صم لربك، فصام، فوافق يوم ثلاثة عشر من الشهر، فذهب ثلاث السواد، ثم نودي في الرابع عشر والخامس عشر فصام هكذا حتى ذهب السواد بيضاً لذلك، ثم نادى مناد من السماء: يا آدم هذه الثلاثة الأيام جعلها لك ولولدك، من صامها في كل شهر فكأنما صام الدهر".

في "نزهة المجالس ومنتخب النفائس"، ينقل الصفوري حكاية حول الصيام، وفيها يقول ابن عباس: "إن كنت تريد صيام داود، فإنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً. وإن كنت تريد صيام ولده سليمان عليه السلام، فإنه كان يصوم ثلاثة أيام من أول الشهر وثلاثة من وسطه وثلاثة من آخره. وإن كنت تريد صيام عيسى عليه السلام، فإنه كان يصوم الدهر ويلبس الشعر، وحينما أدركه الليل صفّ قدميه وصلى حتى تطلع الشمس. وإن كنت تريد صيام أمه، فكانت تصوم يومين وتفطر يوماً. وإن كنت تريد صيام خير البرية (ص)، فإنه يصوم الأيام البيض من كل شهر ثالث عشر ورابع عشر وخامس عشر حضرا وسفرا".

يعلّق الصفوري، وينقل عن الشيح عبد القادر الجيلاني: "سُئل علي رضي الله عنه: لأي شيء سُمّيت أيام البيض، فأجاب بأن آدم عليه السلام لما هبط من الجنة إلى الأرض واسودّ بدنه من حرّ الشمس، جاء جبريل وأمره بصيام أيام البيض، فابيضّ في اليوم الأول ثلث بدنه وفي اليوم الثاني ثلث وفي اليوم الثالث جميعه، في العقائد لما اسود بدن آدم أمره الله أن يبني بيتا ويطوف به حتى يتوب عليه فبنى الكعبة، فجاءه جبريل بالحجر الأسود وكان درة بيضاء، فلمّا رآه آدم بكى، فقال الحجر: يا آدم أنت الذي فعلت بنفسك حيث أكلت من الشجرة. فقال: يا رب عيّرني كل شيء حتى الحجر. فنقل الله بياض الحجر إلى جسمه آدم، ونقل سواد جسد آدم إلى الحجر".

في "فتح الباري شرح صحيح البخاري"، يذكر أبو الفضل العسقلاني رواية أخرى ينسبها إلى بعض الصوفية، غير أنه يرفضها. تقول هذه الرواية "أن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة ثم تاب تأخر قبول توبته، مما بقي في جسده من تلك الأكلة، ثلاثين يومًا، فلما صفا جسده منها تيب عليه، ففرض على ذريته صيام ثلاثين يومًا". يضيف أبو فضل معلّقاً: "وهذا يحتاج إلى ثبوت السند فيه إلى من يقبل قوله في ذلك، وهيهات وجدان ذلك".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024