إيفون سرسق.. رحيل سيدة القصر

المدن - ثقافة

الثلاثاء 2020/09/01
عشية ذكرى مرور مئة عام على تأسيس دولة لبنان، رحلت إيفون سرسق كوكرن، وهي "المحسنة، والشخصية اللبنانية البارزة، والمدافعة عن الفنون والتراث والموطنية"، عن 98 عاماً بعد إصابتها في انفجار مرفأ بيروت الشهر الماضي... وتسكن الليدي إيفون كوكرن في الطابق الأرضي من القصر، فيما يشغل ابنها رودريغ وعائلته الطابق الثاني منه. ولحظة الانفجار كانت تجلس كعادتها في إحدى غرف القصر الذي تعرضت مقتنياته إلى خسائر مادية كبيرة.

وايفون هي الابنة الوحيدة لألفريد سرسق، أحد أعيان لبنان وزوجته الإيطالية دونا ماريا تريزا، وكانت لوالدها اليد الطولى في تأسيس المتحف الوطني ونادي سباق الخيل ونادي الطيران، وفي العمل الخيري وحتى الفني، إذ كان يهوى الرسم... يروي الصحافي الراحل سمير قصير في كتابه "تاريخ بيروت" عن والد ايفون أنه كان من أبرز وجوه ذاك الزمن. فكان أول من تزوج بأجنبية، بعد لقاء أول مع والدها الإيطالي خلال حفلة كبيرة أقيمت في أحد قصور الحي للدوك ديميتري من روسيا. كما كان ألفرد اول من استقدم سيارة الى لبنان، إذ كانت السائدة في تلك الحقبة عربات الخيل. وهكذا قدمّ لزوجته الإيطالية دوناـماريا سيارة هدية من طراز Panhard et levassor كان يقودها لسيدة القصر سائق إيطالي.

كذلك يذكر قصير أن أول ملهى ليلي أنشأته بنات موسى سرسق في العام 1896، علماً أن حفلات كبيرة وضخمة كانت غالباً ما تقام في باحات القصور وحدائقها، لا سيما حين يزور الحيّ ضيف من أمراء أو ملوك أو أعيان الشرق أو الغرب. كما كانت سائدة الحفلات التنكرية.
وتوفي والد ايفون بعد ولادتها بأربع سنوات، وأدخلتها والدتها مدرسة سيّدة الناصرة حيث نالت شهادة البكالوريا، قسم الفلسفة، ثم التحقت بكلية الآداب. خلال تلك الفترة، بحسب ما تروي لرنا حايك، عادت تلتقي حبيب طراد، الوصيّ الذي اختارته العائلة لها بعد وفاة والدها. صحيح أنّ زياراتها كانت قليلة إلى بيته، «لأنّ البيت مثل البراد، وما في chauffage» كما تقول ضاحكة، لكنها في تلك الليلة من العام 1946، لبست معطفاً ثقيلاً، وقفازات، وذهبت للعشاء في منزله. هناك، التقت بالمتطوّع في الجيش الإنكليزي السّير ديسموند كوكرين الذي سيصبح زوجها في العام نفسه.  

في مسيرتها، صدمتها ما فعلته الحرب بالأبنية التراثية والتقيدية، وكانت أسست جمعية حماية المواقع الطبيعية والمباني القديمة "ابساد" في لبنان وتولت رئاستها من 1960 حتى 2002. وفي اليوم الوطني للتراث من كل عام، كانت تفتح إيفون كوكرن أبواب قصرها أمام الزوار، ليطلعوا من قرب على ميزاته التاريخية والفنية. ويعد قصر سرسق من أقدم المباني التراثية في بيروت، ويعرف بقصر "الليدي كوكرن". وهو متحف قائم بذاته لما يتضمن من قطع فنية تاريخية نادرة تعود إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر. حافظت الليدي كوكرن، وهي تعرف بذاك الإسم كونها تزوجت من إيرلندي، على ما ورثته بكل ما أوتيت به من قوة. فهو إرث يلقي بثقله على مالكه نظراً لما يتطلبه من متابعة لصيانة التحف واللوحات ومتطلبات إعادة تأهيله. وهي تحاول مع ذلك المحافظة على كل ما بقي من بيوت أثرية في المنطقة خصوصاً ولبنان عموماً.

كانت تقول "أحاول المحافظة على روح القرية في لبنان. في رأس بيروت كانت العلاقة بين الأبناء وهم من طائفتين مخلفتين (سنّة وأرثوذكس) وكأنها علاقة قربى. وكان الأغنياء مجبرين على مساعدة الفقراء وإلا نُبذوا. من هنا وهب آل سرسق مبنى الى المطرانية وأقاموا كنيسة مار نقولا وشيدوا مستشفى الروم كما أنشأوا مدرسة زهرة الإحسان، وهي تأسف من سياسة حكومية قررت أن تحول شارع سرسق السكني الى شارع تجاري. وتضيف: "رفضت أمي أن يقتطعوا من المنزل لتوسيع الطريق وعاندت كل القرارات المتخذة بهذا الشأن. بينما ذهبت بيوت أخرى ضحية ذاك الطريق أو مشاريع استثمارية أخرى. كما الحال في منزل ليندا سرسق الذي بترت واجهته الأمامية بفعل الطريق بينما يحاول أحدهم بناء برج في حديقته، عارضناه بشدة وأوقفنا المشروع".

وتولت إيفون رئاسة لجنة متحف سرسق من 1960 إلى 1966 وكان لها دور حيوي في تطويره في سنواته الأولى.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024