ميشال كيلو... الحاجةُ إلى أَمْثالِهِ لا تَزالُ تتعاظَم

المدن - ثقافة

الثلاثاء 2021/04/20
هنا بعض تعليقات الفسابكة حول رحيل المعارض البارز والكاتب السوري ميشال كيلو...

أحمد بيضون
كانَ إعلانُ بيروت دمشق (٢٠٠٦) واحداً من البياناتِ السياسيّةِ النادرةِ التي ارتَضَيْتُ توقيعَها في عَشَراتٍ من السنين. وأذْكُرُ أنّ اسمَ ميشال كيلو كانَ، من بَيْنِ تواقيعَ سوريّةٍ ذُكِرَت لي، أشَدَّ الأسْماءِ إلْزاماً لي بالإقدامِ على التوقيع، وهذا من غيرِ مَعْرِفةٍ شَخْصِيّةٍ بالرجل الذي عادَ إلى السِجنِ على الأثَر.
لاحقاً تَوَطّدتْ مَعْرِفتي بوجوهٍ ثقافيّةٍ أخرى ضَلَعَتْ في الثورةِ السوريّة. على أنّ هذا الاسْمَ بقِيَتْ له عندي قوّةُ الإلزامِ نَفْسُها في ما يَتَعَدّى مخالفَةَ صاحِبِهِ أو مُوافَقَتَه في مَواقِفَ لَهُ أثارَتْ من الجِدالِ ما أثارَتْ.
أسَفاً أَسَفاً لِرَحيلِ ميشال كيلو فيما الحاجةُ إلى أَمْثالِهِ  لا تَزالُ تتعاظَم. عسى أنْ تَبْقى أُمْثولَتُهُ بَعْدَهُ، لا يَنالُ من قُوّتِها الموت.

عباس بيضون
يغيب ميشال كيلو بالكورونا التي كان، كما علمنا. تلقح ضدها ولو بالجرعة الاولى. هذا ما يعيدنا الى مأساة المعارضة السورية التي كان ميشال قطبا فيها. ميشال كيلو الذي التقيته مرارا في جريدة السفير كان معارضا دائما لكنه كان ما يجدر بالمثقف ان يكونه. كان يساري نفسه وليس أي يساري، وليس بالطبع سياستجيا ولا لاعب سياسة فحسب... لذا بدا في أيامه الأخيرة حائراً، وربما جرته حيرته الى خطوات غير موصوفة، خطوات يسهل فهمها إذا ادرجناها في المسار الصعب والمضطرب للمعارضة السورية. نتذكر ميشال، كما عرفناه، ابهى واعمق مما يفترض ان يكونه ناشط سياسي. هذه الصفة التي كان بالتأكيد أوسع منها واكثر خصوصية. يغيب ميشال بعد الجرعة الاولى من اللقاح. كم يصح هذا كناية عن مسارات المعارضة السورية. وداعاً ميشال...

حسن داوود
كنت التقي ميشال كيلو في جريدة السفير حيث كنت أعمل. في رحلة لي الى دمشق، وكان ذلك في ١٩٨٠ على الأغلب، دعانا ميشال الى بيته للعشاء، فاتح المدرس وأنا. في تلك الأمسية فاجأني ميشال بذكره ما لا عد له من الإعتقالات التي جرت وتجري هناك، مزودا ذلك بتفاصيل دقيقة. كان يروي من دون ترو أو خفض للصوت، وهذا ما بدا لي احتجاجاً على الصمت وكظم الغيظ. حين عدت الى بيروت لأستأنف عملي، جاءتني من سوريا قصيدة للنشر. كان الشاعر، الذي ربما كان عادل محمود، قد كتب تقديماً لقصيدته "الى ميشال كيلو، الذي لن يستطيعوا إحناء هامته". لم يتأخروا آنذاك. لا أكثر من أيام قليلة. فيما بعد رحت كثيرا ما اسمع عن  اعتقال ميشال، فأتذكر إلفة ذلك البيت الذي لم تحل إلفته وحميميته دون أن يظل صاحبه متحديا معليا صوته.

راشد عيسى
قالت لي صديقة على الهاتف، فيما نتمنى الشفاء لميشيل كيلو، إنه الآن في الثمانين من العمر، وهنا الخوف. قلت: «مستحيل، لا يمكن أن يكون في هذا العمر. وهذا غوغل بيننا». 
كنت واثقاً مما أقول، فلا صوته، خصوصاً ذاك الذي كان يصلنا عبر «تسريبات واتس آب» مليئاً بتلك الحيوية، النقاء، والوضوح، والقرب، ولا ذاك الحضور المثابر، كتابةً وإطلالات تلفزيونية وعلى السوشال ميديا، كانت تشي بأن الرجل في الثمانين. وعلى ما يبدو فإن أبو الميش جَعَلَنا نغيّر فكرتنا عن أعراض الثمانين. 
ثمانون، خمسون منها جاءت في مقارعة نظام الأسدين، إلى حدّ يجعلك تفسّر كيف أن جيلاً من السوريين سمعَ بكلمة معارض سوري لأول مرة مشفوعة باسم ميشيل كيلو. 
بيننا موعد مؤجل من الصيف الماضي، للدردشة ليس إلا. فقد فاجأني حينها برسالة، وتحية،.. هنالك بشر مذهلون حقاً بتواضعهم ومحبتهم. 
مؤخراً خطرت لي فكرة قلت أطرحها عليه حين اللقاء. قلت ما دامت «تسريباته» مسموعة ومتداولة إلى هذا الحدّ، لمَ لا نسجّلها في برنامج إذاعي يحمل الروح ذاتها، حديث في مقهى، فيه روح اليوميّ، السوري الأكثر راهنية. 
يبدو أنني تأخرت كثيراً، أو أن الموت استعجل أكثر من اللازم.

رولا الركابي
في تشرين الثاني ٢٠٠١١، ركبنا الطائرة سوية؛ ميشيل كيلو وانا الى استوكهولم محطتنا الاولى بدعوة من معهد اولف بالمه، ومن ثم باريس، في مطار دمشق كان الناس يستوقفونه ويسألونه رأيه بما يجري، وكان حاضر الذهن كعادته، قبل صعودنا الى الطائرة استدعينا لمكتب المخابرات الجوية بالمطار وبعد سؤال وجواب تم السماح لنا بالمغادرة بآخر لحظة، عندما رأيت عدد الحقائب بحوزته سألته؛ هل تنوي عدم العودة، فأجابني كبري عقلك، بدي آخد اقامة بفرنسا تأقدر جيب حنا وأمن عليه، كلها كم شهر وراجع، وفي كل مرة كنت اعود لباريس وأراه كان يكرر لي بأنه عائد الى ضيعته قريبا؛ راح الكتير وما بقي الا القليل!
السلام لروحك أبا أيهم، العزاء لأيهم وحنا وشذا ووديعة رفيقة دربك وحلمك.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024