ألبوم العائلة.. الأسطورة

جوزيف الحاج

الأربعاء 2019/01/16
خصصت المجلة الأميركية الفصلية "أبيرتشور" عددها الأخير- شتاء 2019- لموضوع الصورة العائلية. عرضت لأعمال فوتوغرافية معاصرة وأخرى قديمة، حققها مصورون وأخرى اهتمت بها مؤسسات حفظ الصور القديمة. 

ظهر ألبوم العائلة في خمسينيات القرن التاسع عشر، ولم يكن متاحًا إلا للأثرياء في العصر الفيكتوري كوسيلة لإثبات النجاح والمكانة. في القرن العشرين، أصبح الوصول إلى الصور الفوتوغرافية متاحاً لكل طبقات المجتمع، فتكدست ألبومات الصور العائلية على رفوف غرف المعيشة. فما الذي يقدمه هذا الجهاز نفسه للفنان المعاصر؟

"الصورة العائلية علامة من علامات الأسطورة"، كتب غلين هلفاند، "فهي تلتقط جزءاً من الثانية من حياة عائلية تُحكى لأجيال لاحقة".

أن نقف مع العائلة تحضيراً لإلتقاط صورة، فتلك مقدمة لتصويرنا. سواء شاركنا أم لا، فإن هناك دائماً فرداً من العائلة أو مصوراً في الاستوديو يوجهنا، يجمعنا في صورة ستنتج ذاكرة.  لهذا النوع من التصوير تقاليده ومناسباته: أعياد الميلاد، التخرج، الزفاف، الإجازات العائلية. حتى في شكلها التناظري، وقبل أن نبدأ في صناعة صورنا بأنفسنا ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي، كان ألبوم صور العائلة عبارة عن تمرين حميمي شبه مؤقّت لجمع الصور، ترتيبها، عنونتها، تأريخها، وحتى إتلاف بعضها.

جذبت القدرة الغريبة لهذه الصور العادية، والهويات المتراكمة عليها، العديد من مصوري اليوم: صوّرت تامي راي كارلاند تخيلاتها عن حياة والديها قبل ولادتها. وتدخّل غلين ليغون ولورين أوغرادي وكريستيان بولتانسكي في ألبومات عائلية، معيدين صياغة معانيها. أما الياباني ماساهيسا فوكاز فقد حوّل الصورة العائلية الجماعية، إلى طقوس مفاهيمية، كوميدية ومأساوية، وإلى تذكار للموتى.

رأت لين تيلمان أننا نقرأ الصورة كأنها بصمة رقمية لللاوعي. صوّر موتويوكي دايفو وكريستوفر أندرسون وكاثرين هاريسون الحياة اليومية لأقاربهم، إمتلأت صورهم بالجمال والفوضى. واعتبرت ديانا ماركوسيان أن التذكّر هو فعل خيال وإعادة خلق، لذلك أعادت تأدية أدوار مثّلت شخصيات من عائلتها.

في 1993 حصل المصور غلين ليغون على ألبوم من الصور القديمة لعائلة أميركية من أصل أفريقي، تساءل: "من المفقود من ألبوم العائلة، معقل الذاكرة، والعاطفة، والوئام؟ ما الذي يجعلنا نتقبّل شخصيات صوره، غرباء كانوا أم أقارب، ويصبح اقتناؤنا له مناسبة لدراسة الموضوع والمادة؟". ويجيب: "في الألبوم العائلي كل الطقوس المغايرة للعائلة التي تبدو كأنها غريبة". طرح ليغون أسئلة إضافية وخاصة: ما الطريقة التي يكون فيها ألبوم العائلة نوعاً من الإستمرارية والكرامة؟ من يحق له امتلاك هذه الصور؟ وهل ملكيته ضرورية؟".

مع تمعنه في مشاهدة الصور التي "توثق لحظات يومية عادية وحتى مبتذلة، وربما مزعجة..." فقد اعتبر أنها تحقق رغبات معينة "تزامنت السبعينيات، الفترة التي التقطت فيها صور الألبوم مع فترة مراهقتي، لقد أدركت أعماق نفسي من خلال صور هؤلاء الغرباء، أصبحت صورهم الغريبة مألوفة لدي". أعاد ليغون النظر في مفهومنا للصور العائلية إذ اعتبرها أداة لتحديد الذات بشكل أكثر فعالية: "عندما أنظر إليهم أتعرّف على وجوه وأجساد أقارب لي. أتذكّر رغباتي".

"إن صورة العائلة بكل ما تتضمنه من إمكانيات، تتكلم عن الماضي والتاريخ. فهي كانت ولا تزال وسيلة تواصل بين الأفراد"، قالت أمينة متحف سميثونيان ريا كومبز التي تهتم بصور العائلات الأميركية. تقول ليز جونسون أرثر، التي أمضت زمناً في تصوير المهاجرين الأفارقة في الشتات، تلتقط لحظات من يومياتهم الحزينة أو السعيدة، في أسلوب ملوّن وحميم: "ما أقوم به هو إنساني، إنهم جيران جعلت منهم عائلتي الخاصة".

نقل العديد من الفنانين الألبوم إلى الزمن الحاضر، علماً أنه أداة لتسجيل الماضي، مثلما فعل سانجا إيفكوفيتش، ولورين أوجرادي، وكريستيان بولتانسكي. وضع إيفكوفيتش، صور شبابه جنباً إلى جنب مع الصور القديمة التي عثر عليها. حصل على صور متقابلة، مقلقة، تشير إلى الطريقة التي تنسج فيها الصور حكاياتها، وتعكس خصوصياتنا. اختار كريستيان بولتانسكي نهجاً متميزاً. بدلاً من الجمع بين صور عائلته وصور غرباء، جاء بألبوم عائلي من منتصف ثلاثينيات القرن العشرين، يضم 56 صورة بالأسود والأبيض لأفراد من الجيش الألماني وقادة فاشيين وأطفال وأشجار الميلاد. يقول بولتانسكي: "كانوا مثلنا. لو كان الوحش مختلفاً عنّا، لكان من السهل التعامل معه، لكننا كنا نحن. أن نتعرّف على ذواتنا عبر حياة الغرباء ربما هو عمل مرعب".

في نص بعنوان "الألبوم"-1981 كتب المصور والكاتب هيرفيه غيبير عن ألبوم عائلته: "نادراً ما تأملت هذه الصور وحدي. لكن أن نعرضهم على آخرين، فتلك خطوة متقدمة للصداقة، وبرهان، وإعجاب مشترك. يقربنا ألبوم العائلة من التجارب الحياتية. الألبومات، سواء تلك التي نحرص على حفظها، أو تلك التي تتعرّض للإهمال والضياع، تعني أكثر من إحياء ذكرى الغائبين أو الفقدان المستمر للأشخاص وللأشياء التي نحب. إنها تحوي صوراً تحكي قصصاً ورغبات. إنها تضج بالحياة".

لا توجد طريقة أو خلاصة واحدة للتعامل مع الألبومات العائلية. لجأ الفنانون إلى هذا النوع من الصور لقيمتها ولأهميتها وكذلك لقدرتها على تقويض التوقعات والإستنتاجات التقليدية المسبقة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024