آدم حنين يقدم"بيت الروح" إلى سمبوزيوم أسوان

دينا قابيل

الإثنين 2015/03/02
لم يرد أن يكون الاحتفال بعشرين عاما على بداية سمبوزيوم أسوان للنحت مجرد احتفال فني يقتصر على التكريم والاحتفاء بشركاء المختبر العالمي الذين حققوا معه الحلم وأثروا دورات السمبوزيوم المتتالية، بل آثر آدم حنين، الناسك في محراب الفن المصري، أن تشهد هذه الدورة أيضا افتتاح متحف أسوان محتضنا فوق هضبة عالية في طريق الشلال، روائع قطع الغرانيت النحتية لتسكن في الهواء الطلق وتتحاور مع منحوتات المصري القديم. في هذا الحوار يروي حنين عشرين عاما أسس خلالها مدرسة للنحت غابت طويلا عن البلاد، وصار لها عشاقها في العالم.

-يبلغ سمبوزيوم أسوان للنحت اليوم عامه العشرين، كيف سيكون الاحتفال بهذه الدورة وانت الذي أسست هذا الحدث الدولي المهم منذ 20 عاما بلا انقطاع؟

-في ختام السمبوزيوم في 6 مارس/آذار الجاري سنقوم بافتتاح "متحف أسوان المفتوح" والذي يضم 182 عملا نحتيا من الغرانيت ما بين أعمال صرحية وأخرى صغيرة نفذها مجموعة من الفنانين من 52 دولة على مدار دورات السمبوزيوم المختلفة، ومن هنا يعد هذا المتحف نادرا في العالم وله قيمة كبيرة. 
من ناحية أخرى، وعلى عكس الدورات السابقة للسمبوزيوم حيث كانت تتم دعوة العديد من الفنانين الأجانب جنبا إلى جنب مع المصريين، اقتصرت الدعوة هذا العام على النحاتين المصريين لتسليط الضوء على النحت المصري بعد 20 عاما من بداية السمبوزيوم، وقمنا بورشة عمل تضم 16 فنانا (وهو عدد ضخم كنا نكتفي بخمسة من قبل) منهم 9 فنانات في العشرينات من العمر وغالبية الفنانين المشاركين يجربون الغرانيت للمرة الأولى، حتى وإن كانوا تعاملوا أحيانا مع الحجر. 
وفي حفل الختام سنقدم الى الحضور ما أنجزه وحققه السمبوزيوم في أعوامه العشرين، كما سيتم تكريم بعض الفنانين المتميزين الذين شاركوا في دوراته المختلفة، فضلا عن تكريم كل من السيد صلاح مصباح، محافظ اسوان السابق، والفنان فاروق حسني، وزير الثقافة السابق، حيث تبنى كل منهما فكرة تنظيم سمبوزيوم للنحت في أسوان وعملا معي على تحقيق هذا الحلم.

-لم تكتف هذا العام بدور القوميسير ودور المعلم والأب المعروف عنك والذي يلتف حوله الجميع طلبا للمشورة أو تذليل العراقيل الفنية، لكنك تشارك في عمل نحتي صرحي، ما حقيقة هذه المشاركة وما مفهوم العمل؟

* بصفتي قوميسير للسمبوزيوم، لم أكن قد شاركت من قبل بعمل فني من الغرانيت، لكن هذا العام وبمناسبة افتتاح متحف أسوان المفتوح، طالبني الجميع بالمشاركة واعتبروني ضيف شرف هذه الدورة، ففكرت في هذا العمل الصرحي الذي أسميته "بيت الروح".  
أن هذا العمل النحتي مبني على المشاركة مع الفنانين عصام درويش وشريف عبد البديع وهاني فيصل، وهم ليسوا مساعدين لي بل مشاركون بروحهم واحساسهم في جوهر العمل نفسه. وهذه التجربة الجماعية ذكرتني في أساس فكرة النحت عند قدماء المصريين المبنية على العمل الجماعي، وهذا يعد أيضا من ضمن انجازات السمبوزيوم. 
أما "بيت الروح" فمن الصعب تفسير أو شرح العمل النحتي، لأنه لم يكن موضوعا نقوم بتنفيذه على الغرانيت، بل تراكم لمشاعر وأحاسيس عبر سنوات طويلة، كنت بدأت أول لبنة في هذه التجربة في العام 1993، تخيلتها في ماكيت مصغر وظللت أضيف عليها عبر السنين. من حيث الشكل بيت الروح عبارة عن سبعة عواميد من الغرانيت تبلغ حوالي أربعة أمتار، يراعى فيها فكرة الضوء والظل بحيث تشرق الشمس عليها فتتبدل ملامح القطع النحتية وتقاسيمها.

-كيف نشأت فكرة اقامة متحف مفتوح بأسوان يضم نتاج السمبوزيوم من أعمال الغرانيت؟ 

*
كانت حصيلة أولى دورات السمبوزيوم في 1996 حوالي 15 قطعة نحتية من الغرانيت، وبقيت الأعمال هناك بعد ان عاد الفنانون الى بلدانهم. وكان هناك تعاونا مخلصا ورعاية حثيثة لفكرة السمبوزيوم من قبل وزارة الثقافة ومحافظ اسوان وقتذاك صلاح مصباح وكذلك فندق بسمة الذي حرص على استضافة السمبوزيوم طوال فترة العمل مجانا. جلست مع صديقي الفنان صلاح مرعي الذي لازمني منذ البداية لتحقيق حلم المتحف، وكان المحافظ شديد الحماسة للفكرة، ووجد مكانا مناسبا لوضع الاعمال، وبدأت فكرة المتحف المفتوح تراودنا منذ انتهاء الدورة الاولى. وكان لصلاح مصباح دورا مهما في توفير فضاء المتحف في طريق الشلال في مدينة أسوان مطلا على البحيرة القديمة المحصورة بين خزان أسوان والسد العالي.  

-تتحدث دائما عن الحلم في ما يخص اقامة سمبوزيوم أسوان للنحت بالغرانيت، كيف تقيّم التجربة اليوم بعد مرور عشرين عاما على نشأتها؟

*في العام 1977 دعيت إلى سمبوزيوم للنحت في تشيكوسلوفاكيا وقضيت شهرا هناك ولم يكن عندي سابق خبرة في الحجر، كنت أعمل في البرونز ولي محاولات محدودة بنحت الحجر. وحين كانوا يسألونني هناك عن أحوال النحت في بلاد الفراعنة، كنت اشعر بالخزي والزعل في الوقت نفسه لأنه في الحقيقة لم يكن لدينا نحت، بل مجرد بعض القطع التي يقدمها بعض الموظفين من أجل اقامة معرض أو هناك. وحين عدت رويت عن التجربة بحماس للفنان فاروق حسني وكان وقتذاك مدير المركز الثقافي المصري في باريس، وتطور النقاش بيننا وحلمنا أن نقيم سمبوزيوم في مصر على غرار لقاءات النحت الدولية ونعيد فن النحت إلى مصر من جديد. وحين صار فاروق حسني وزيرا للثقافة في العام 1995 اتصل بي وكنت وقتذاك في باريس ودعاني إلى المجيء إلى مصر من أجل تحقيق الحلم القديم. 
وفي خلال سنوات قليلة من تدشين سمبوزيوم أسوان الدولي للنحت أصبح هناك مجموعة من عمال المحاجر المختصين ومساعدين مهرة للتعامل مع الغرانيت ومحترفات وهذا لم يكن موجودا قبل ذلك، كما صار هناك 20 نحاتا من الوزن الثقيل. لا أغالي إذا قلت أننا أعدنا فن النحت إلى مصر من جديد من خلال سمبوزيوم أسوان.

-تبدو شديد التآلف مع المكان، وتقف أعمالك شامخة كإحدى الأحفاد المتمردة لمنحوتات المصري القديم، كيف نشأ هذا التواصل؟

*تعلمنا الكثير من خلال منحة الاقصر والجونة، كما لو كانت هناك عملية ترميم لكل ما تعلمناه في الدراسة الاكاديمية في الفنون الجميلة. كنا نتأمل هذا العالم شديد الثراء، النقوش والرسوم التي تغلف المقابر من الداخل والتي تختلف عن تلك التي تغطيها من الخارج، وكيف ترجم المصري القديم الطبيعة أو حولها إلى فن على جدار المعابد، والفلسفة وراء ذلك، كل ذلك كان بمثابة درس مهم جدا بالنسبة الي. 
وحين ذهبت وعشت فترة بعد ذلك في النوبة قبل التهجير، رحت أبحث عن كل ما هو مصري وشعبي في مفردات الحياة من حولي، كنت كمن حُرم من رؤية الفن المصري الخالص وأراد أن ينهل منه بقدر المستطاع.

-ولكن ألم يكن هناك روادا للفن المصري في تلك الفترة يمدون الجسور بين الفن القديم ومتطلبات الحداثة؟

* كان هناك محمود مختار بلا شك. كنت أكن له اعجابا وتقديرا شديدين، لكن كانت لي بعض الاعتراضات عليه، فشخصية الفلاحة التي يتناولها على سبيل المثال بها نظرة سياحية لا تستهويني. 
في 1952 كنت في محنة فنية، وعند مفترق طرق بين أن أقلد مختار الذي كان قد رحل، أو أن أتبع طريق جاكوميتي وهنري مور. هي أعمال جميلة تثير الاعجاب لكنها لا تخصني. كنت في صراع حقيقي ووصلت إلى الحل بأن اشتغل على كل ما يحيط بي، كل ما به تأثيرات مصرية. وهذا تحديدا ما جعلني أقع في غرام الصعيد والنوبة، لأن كل العناصر تستهويني وتفيدني في عملي، سواء كانت الطبيعة أو البشر أو العمارة والاخشاب والادوات التي تعكس الحس الشعبي المصري. منحتني هذه الفترة طرق تفكير مختلفة وأعطتني مفاتيح العمل الفني.

-وكيف صمد هذا الحس الشعبي المصري الأصيل للمؤثرات الأوروبية وانت من عاش فترات ليست بقصيرة في فرنسا وأوروبا بشكل عام؟

*أوروبا أعطتني حرية كبيرة وتحررا من كل الأفكار المسبقة. لأننا في مصر مقيدين بحضاراتنا بشكل يسيء إلى الفن نفسه، لأن الغالبية تقلد الحضارة المصرية تقليدا فجا. أما هناك في أوروبا كنت استطيع ان "اشخبط" واطلق العنان لشطحاتي الفنية من دون أن يطالبني أحد بشيء. كنت أعمل لساعات طويلة وأعيش صراعا بين الأوروبي والشعبي، وحين أرهق جسديا، اتوقف قليلا لأجد شيئا ما يتسم بالاختلاف كما لو كان من تحت الجلد، وكانت هذه بداية معرفتي إلى الطريق الذي أسلكه.   
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024