"إلهام الشرق": معنى الحريم في المتحف البريطاني

شادي لويس

الجمعة 2019/11/08
في المدخل المعتم للقاعة، تشي اللوحة الإرشادية الأولى والخريطة الملحقة بها بالكثير من الارتباك الذي يميز معرض "إلهام الشرق: كيف أثّر العالم الإسلامي في الفن الغربي"، (المقام في المتحف البريطاني منذ مطلع شهر أكتوبر الماضي وحتى الأسبوع الأخير من يناير).

تحدد الخريطة نطاق المعروضات في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط ومن ضمنها إيران وتركيا، ويحاول النص أن يتجاوز معضلة تعريف "العالم الإسلامي" العويصة، بالإشارة إلى أن المعرض "يركز" فقط على هذا الجزء من العالم الإسلامي. ولا يبذل منسقو المعرض أي جهد في محاولة تفسير هذا التركيز، الذي يعني ضمناً إهمال مساحات شاسعة من جغرافيا المجتمعات المسلمة ودورها في عمليات التبادل الثقافي مع الغرب. ويبدو ذلك التجاهل مدعاة للمزيد من التساؤل، كون متحف الفن الإسلامي في ماليزيا، هو الشريك الأكبر في المعرض مع المتحف البريطاني. فلماذا يتجاهل المتحف الماليزي مثلاً الشرق الأقصى من نطاق الإسلامي؟

في المقابل، تؤكد المعروضة الأولى، لوحة "الصلاة" (1877)، للأميركي فريدريك آرثر ريدجمان، عن أن الغربي يمثل نطاقاً مكتملاً وواحداً ومتصلاً رغم تناثره الجغرافي. فالأعمال المعروضة هي لفنانين غربيين من "أوروبا وأميركا الشمالية" كما تقول اللوحة الإرشادية أيضاً. سريعاً ما يتضح أن تنسيق المعرض لا يمتّ بصلة لعنوانه، فالنصوص اللاحقة تشير إلى "الاستشراق" بوصفه المبدأ الحاكم في تجسيد الشرق في الفن الغربي أو "إساءة تمثيله"، فالأمر لا يتعلق بتأثير العالم الإسلامي على الفن الغربي كما يبدو، بقدر ما كان يبدو معقولاً أن يحمل المعرض عنوان آخر: "كيف جسد الفن الغربي العالم الإسلامي".

يقدم المعرض خليطاً واسعاً من الأعمال، تبدأ من لوحات الفنانين البنادقة للسلاطين العثمانيين من نهاية القرن الخامس عشر، والصور التي رسمها الحجاج الأوروبيين لفلسطين، خوذة عثمانية مزينة بالنقوش من غنائم الحصار الثاني لفيينا، مجسّمات ومساقط معمارية لمساجد في مدن عربية وقصور أوروبية بُنيت على طراز يحاكيها، فسيفساء وأعمال خزفية شرقية ومقابلها الأوروبي، الذي يستلهم تقنياتها ونقوشها، كتيبات غربية للتصميم تحتوي نماذج لطرز هندسية للزخرفة مستوحاة من بلاد مختلفة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. لوحة تصور احتفالات افتتاح قناة السويس، رسوم لفنانين في البلاط العثماني للسفارات الأوروبية ورجالها وملابسهم، وبورتيريهات ذاتية لفنانين غربيين في ملابس شرقية، رسومات تزين كتباً أدبية غربية ذات تيمات شرقية.


أقرض المتحف الإسلامي في ماليزيا، المعرض، مجموعة نادرة من اللوحات لفنانين غربيين ذات موضوعات شرقية، وتقسم تلك اللوحات بحسب تيماتها: مشاهد من المدن الإسلامية وبنايتها وأسواقها وبواباتها، العبادات، صور للمساجد من الداخل والدروس الدينية والحج والصلوات، كتالوغات أثنية لسكان الشرق وملابسهم رجالاً ونساء، ومجموعة صغيرة للوحات "الحريم"، الموضوع الأكثر إثارة في الفنون "الاستشراقية" في القرن التاسع عشر. يشير النص التوضيحي إلى أن العُريّ كان لصيقاً بالمخيلة الفنية حين تناول بعض الرسامين الغربيين الموضوع، ومع هذا فإن منسقي المعرض اكتفوا بعرض بضع لوحات لنساء في كامل ملابسهن.

ولا يبدو أن القائمين على المعرض اكتفوا بهذا القدر من الرقابة الذاتية، فالقاعة الأخيرة تعرض عدداً من الأعمال لفنانات معاصرات، تقوم بتفكيك التصورات الاستشراقية عن الحريم، وتعيد بناءها من منظورات نسوية وثورية أيضاً. فعمل الفلسطينية، رائدة سعادة، الفوتوغرافي، "من سيجعلني حقيقية؟"، تغطي فيه جسدها بأوراق الجرائد الفلسطينية وهي ممددة على سرير ناظرة مباشرة إلى المشاهد بتحدٍ. أما عمل الفنانة الإيرانية الأميركية، شيرين نشأت، من مجموعة "نساء الله"، فيذهب في التغطية إلى أبعد من هذا، بصورة فوتوغرافية لنفسها بحجاب أبيض وهي رافعة يديها بالصلاة وبجانبها بندقية. 

ورغم النوايا الحسنة، فإن المعرض لم يكتف بارتباكه بخصوص ما يعرضه، وحجب ما وجده غير لائق، أي "العُريّ"، عُريّ الجسد الأنثوي المسلم أمام العيون الغربية أو مخيلتها الاستشراقية على وجه الخصوص، بل فرض على الجمهور صورة بديلة بعينها، المسلمة كجسد مغطى، مسيس وملتزم ومقاتل وفي خضم أزمة سياسية، لا أكثر ولا أقل. يعود بنا "إلهام الشرق" إلى التنميط من طريق آخر، ليصبح العنوان الوحيد المناسب، "كيف كان على الفن الغربي أن يتصور العالم الإسلامي".  
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024