شاكر الأنباري... عن أنطونيو تابوكي

المدن - ثقافة

الأربعاء 2021/04/21
أمضيتُ أسبوعين في قراءة أعمال أنطونيو تابوكي، وتعرفت على تجربة مهمة في الكتابة الايطالية، والأوروبية. فتابوكي ايطالي المولد، مات في العام 2012 ، بعد سنوات طويلة من تدريس اللغة البرتغالية، هو الذي يجده القارئ بعض الأحيان وكأنه كاتب برتغالي وليس إيطالياً.

ولعل أفضل أعماله تدور في لشبونة عاصمة البرتغال، مثل "بيريرا يدّعي" وهي تؤرخ لحقبة ديكتاتورية سالازار، في القرن الماضي، الذي تحالف مع فرانكو وهتلر وموسوليني، وخيارات المثقف في ظل النظم الشمولية، حيث يصل إلى نقطة حرجة ينبغي عليه اتخاذ موقف والانحياز إلى واحد من المعسكرين، ومثلها رواية "ايزابيل" عن حركات التمرد الفردي ومواجهة الظلم السياسي، وتحول الرمز إلى فكرة يصعب الوصول إليها واقعيا وهو ما حدث للمناضلة ايزابيل.

أما "ليالٍ هندية" فهي سياحة روحية في الوجود والايمان، تأخذ القارئ إلى مدن الهند وعجائبها، وتتيح الاطلاع على ثقافات خارج المنظومة الروحية للفكر الأوربي. في حين تروي لنا "هذيان"، الأيام الأخيرة في حياة الشاعر البرتغالي فيرناندو بيسوا الذي ألقى على تابوكي تأثيراً هائلاً، سواء في شعريته أو مغامراته الروحية، بل وانتجت لعبة الأسماء وتحولاتها في جوّه الروائي. ولعبة استبدال الأسماء جاءت تأكيداً لقناعة تابوكي القائلة إننا أشخاص عديدون، يديرهم أنا أعلى يتغير بمرور الزمن تبعا للتجارب القاسية، والمواجهات المفصلية.

كتابه "أحلام" جولة خيالية محلقة بأجنحة الحرفة والسمو في تحولات شعراء، وعباقرة، ومفكرين، ورسامين، وروائيين، مثل تولستوي ورامبو ومايكوفسكي قبل انتحاره وتشيكوف وفيرناندو بيسوا وغارسيا لوركا وسيغموند فرويد، وسواهم. حيث تأتي أحلامهم على هيئة قصص تلتقط ما هو جوهري في ذواتهم.

من عادتي حين أقع على كاتب مهم أن أقرأ أعماله كلها أو معظمها، أي قراءة التجربة المكتملة، فهي أفضل بكثير من الانتقائية في القراءة. ووجدت أن أفضل ما لدى هذا الكاتب هو روايته "بيريرا يدعي" و"ايزابيل" و"ليال هندية" لولا أن بعض الترجمات تحتوي على أخطاء لغوية وإملائية، ربما بسبب شهية دور النشر التجارية التي لا تعبأ بالتدقيق، والتحرير، ومطابقة الترجمة مع النصوص الأصلية. كتاب الأحلام كان رائعا. أنصح بقراءة هذا الكاتب الثري لغة، وتأملات، ومواقف سياسية، هو المعروف في ايطاليا بفضحه لإمبراطورية "برلسكوني" الاعلامية، وعدائه للفكر الفاشي، وسخريته من المركزية الأوروبية سواء في الثقافة، أو الدين، أو السياسة. كاتب يمتلك ثراء في النضج الروائي والشعرية البليغة العميقة والسلاسة، ومقدرة على نقل القارئ من بلد إلى آخر، ومن قارة إلى أخرى، بل ويسافر به أحيانا حتى أسرار الفضاء وهي تشعر العقل البشري بالحيرة، وتدفعه للتسامي عن التفاهات.

(*) مدونة نشرها الروائي العراقي شاكر الأنباري في صفحته الفايسبوكية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024