شربل داغر: في ضيافة قصيدتي(*)

المدن - ثقافة

الجمعة 2018/12/07
(*) للقصيدة لحظتُها: إذ تنبني، إذ تُشاغل، أو تداور ما تتجه صوبه، ما يشغلها، ما يقلقها، أو يبهجها، سواء أكان لفظا، أو تلويحة موعد، أو ابتسامة تتسلل بين قبلتها وهي تبتعد، وبين طيفها إذ يتجول من تلقاء نفسه بين ثنابا كلام...

هذا ما كنت أشعر به اثناء كتابة قصائد في مجموعتي الشعرية الجديدة. 
قصائد من دون بداية مقصودة، أو خطة تأليف، من دون "موضوع" أحيانا، وإن أنتهي إلى استبيان ما يتشكل فيها من شواغل معنى.

قصائدي، كما لو أنها ليست لي، مِما عَبَرني، من دون أن أقوى على مصاحبته، على استعادة خطاي فيه في اتجاه هذا البيت الصلد والمفتوح في آن. 

قصائد أنتهي إلى "تبنيها"، على أنها مِما التقيتُ به في ضيافة كلام، أثناء هجسي بالحياة، وبفقدانها؛ بالحب، ما دمتُ شريد لذة؛ وبالبلد إذ لا يصبح وطنا، ما دام أنهم يُمعنون في تشويه ما كان عليه في ضيافة التطلع...

هذا ما كتبتُ فيه، وعنه، ولهوتُ به، فيما كنتُ أتحرق لكتابة غيره... ذلك أن القصيدة توصلني دوما إلى غيرها، مثل وعد مرجأ، مثل احتياجي لشفتَين اثنتين لكي ينتظم التلفظ. 

تركتُ لقصيدتي أصابع لكي تصفق بدلا عني؛ حَمَّلتُ الحروف شغفَ الساهر والمتوحد عندما يقودها إلى حيث يتجول من دونها، وحدقتُ مليا في لهاثَ التعبى، وحسبتُه مِما تنتقم له القصيدة في جسارتها المعلنة... 

هكذا أفرح بما بقي لي، بما أقوى عليه، بما يتساقط من غيم استعارة فوق ركام غبار. 
فما تخسره الحياة، قد تعوِّضه القصيدة في خلائها المنير. وما يتبدد في الهواء، يتبدد في الهواء، وإن ترى إليه الكلمات في خلوتها الظافرة.

كما لو أن شعراً لا يخسر أبدا، إذ يفترق عن دروب العربات الخشبية، ما دام أنه لا يجد في الوحل ما يبني خزفا لدهشة.

(*) مدونة كتبها الشاعر والكاتب شربل داغر في صفحته الفايسبوكية، وهو أصدر أخيراً ديوانه "يا حياة، أتوق إليكِ فتحييني: أتوق إليكَ" عن دار المتوسط ويوقعه الأحد 9 - 12 - 2018 الساعة 4 عصراً.
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024