إسرائيل واليهودي اليمني الأخير

محمد حجيري

الثلاثاء 2016/03/22

مع إعلان مسؤولين إسرائيليين (21 مارس/ آذار 2016) أن إسرائيل نقلت إلى أراضيها 19 يهودياً من آخر الرعايا المتبقين في اليمن في "عملية سرية ومعقدة". يكتمل مشهد البؤس في بلاد المشرق، البؤس الذي يرسخه العالم المتناقض والمتحارب وتتوجه إسرائيل عبر وكالتها التي بدأت "مهمتها التاريخية" المستمرة منذ عام 1949 لتهجير يهود اليمن إلى الأراضي الفلسطينية، إذ أقدمت على استقدام نحو 50 ألف يهودي يمني في الفترة ما بين عامي عام 1949 و1950 في إطار عملية سُميت "البساط السحري". وليس هذا البساط سوى الطائرات الحديثة التي حملت يهود اليمن إلى فلسطين.

من دون شك أن الأقليات بمختلف ألوانها تعيش إشكاليات تراجيدية في البلدان العربية (لا يختلف واقع الاكثريات). كثير من أفرادها يهاجرون بسبب القمع والحياة البائسة وبحثاً عن حياة هانئة في البلدان الغربية. وبعضهم الآخر يتعرض للتهجير والشتات. ما فعلته إسرائيل كان أشد فتكاً من الأنظمة. وهي شريكة بعض الأنظمة في اقتلاع يهود العالم العربي من جذورهم الثقافية واللغوية والاجتماعية، بالترغيب أو الإكراه، خصوصاً في العراق وفي اليمن.

وإذ كانت قضية يهود اليمن، لم تبدأ مع تقسيم فلسطين عام 1948، إنّما في عام ١٨٨٢ أول موجة من الهجرة اليهودية إلى فلسطين عندما بدأت ظروف اليهود تزداد سوءاً. فعندما أُعلن عن نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين عام ١٩٤٧ حدثت أعمال شغب أسفرت عن وقوع مذبحة دموية قُتل خلالها ٨٢ يهودياً مرزاحياً في عدن وكانت هذه المذبحة مقدمة للتهجير الإسرائيلي لليهود من اليمن بالتزامن مع تهجير العرب من فلسطين، ولا أحد يستغرب ان تكون المجزرة بحق اليهود اليمنيين عام 1947 مؤامرة إسرائيلية، فما حصل لاحقا هو أكثر وحشية، ويتجلى في خطف السلطات الإسرائيلية أطفال الأسر اليهودية اليمنية التي وصلت إلى الأراضي المحتلة، وهذه القضية لا تنسى.. ووفقا للمؤرخين، فقد اختطفت السلطات الاسرائيلية مئات الأطفال من أسر يهودية يمنية، وأُرسل بعضهم للتبنّي دون علم أهلهم. ونُقل كثيرون منهم إلى المستشفيات، على الرغم من أنّ بعضهم كانوا مرضى. تراكمت مئات الشهادات المماثلة في الموضوع: زار كثيرون من الأهل أطفالهم في المستشفيات، وهناك قيل لهم إنّ الطفل توفي ودُفن.

بدأت بوادر الفضيحة تظهر، وأسكتها اللوبي اليمني بسلطته القوية في إسرائيل الضجة وبشكل مؤقت، وجاء الصحافي أوري أفينيري اليساري المتعصب والذي كان أول شخص يكتب عن قضية الأطفال المخطوفين في العام 1967، حيث يعتقد أن هناك ما هو أكبر من قضية الأطفال المخطوفين، وقال إن بعض الأطفال تم بيعهم بمبالغ تراوح إلى 5000 دولار  للأسر الغنية من اليهود الاشكناز، يتحصل عليها الوكيل في إسرائيل، وفي العام 1971 أحرق أرشيف مجلته بالكامل. وقيل إن عائلات الاشكنازي كانت ترغب في تبني الأطفال اليمنيين لأنهم غاية في الجمال ويملكون نفساً سهلة الانقياد مع التقاليد اليهودية الصارمة، وكانوا قليلي الشكوى والسؤال.

الآن تكتمل الفضيحة، فالحرب الأهلية تدمر اليمن، تفتك بالواقع الاجتماعي، وإسرائيل تستغل الوضع لتشارك في تدمير النسيج الاثني والاجتماعي لبلد قيل إنه "مهد اليهودية" بحسب المؤرخ كمال الصليبي، ويهود اليمن لهم خصوصية، بعضهم كان يعتقد ببطلان قيام إسرائيل نتيجة لحملة ضخمة قامت بها مجموعة "ساتمار هاسيديم"، وهي منظمة يهودية نشأت في القرن الثامن عشر الميلادي برومانيا، وتقف هذه المنظمة في مواجهة "الصهيونية" كفلسفة وحركة على أساس إيمانها أنه من "الكفر" أن يكون لدى اليهود دولة يهودية مستقلة.

ما تفعله الحروب المستترة والمعلنة، الأهلية والإقليمية والدولية، من اليمن إلى العراق وليبيا ومصر ولبنان وسوريا، وما تفعله إسرائيل في الكواليس وفي العلن، هو تدمير النسيج الاجتماعي وفرز الشعوب فرزاً صدامياً واحترابياً وعنصرياً. ولا يبقى لنا من المجتمعات سوى الذاكرات المريرة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024