"مشروع الحب": تعريفات آلان باديو لا تكفي!

حسن الساحلي

الإثنين 2020/02/17
يتشكل عرض فرقة "زقاق" الجديد "في عين القلب: مشروع الحب" ( يستمر حتى 22 شباط في مسرح "زقاق") من عشرات القصص، اللحظات، والمواقف المرتبطة بتيمة الحب، التي تستند إلى مقابلات أجرتها الفرقة مع أشخاص "شاركوا قصصاً ولقاءات حميميّة عاشوها وتأمّلات ونظريّات حول الحب" (وفق النص التعريفي بالعرض).

من البداية، يبدو واضحاً أن العرض يتوجه إلى أي شخص، فالموضوع عام وكوني الطابع، وربما يؤثر في المتفرجين ويتقاطع مع ذكرياتهم. لكن، بعد وقت من بدايته، يلاحظ المشاهد أن ما يراه مشتت ولا يشكل سرداً متسقاً أو هيكلاً يتسم بجسد واحد يمكن البناء عليه، رغم لجوء الفرقة منذ البداية إلى تغليف كل المواقف واللحظات بمشهدية سينمائية – استعراضية، تترافق مع موسيقى تتشابه إيقاعاتها، لمحاولة خلق طابع يوحد العرض تحته. 

في تقديم المسرحية تنقل الفرقة عن الفيلسوف آلان باديو إحدى تعريفاته للحب: هو "مشروع وجودي: بناء عالم من وجهة نظر غير مركزيّة، مختلفة عن النظرة الناتجة عن غريزة البقاء أو مجرد التأكيد على هويتي الخاصة". أخذت هذه الجملة من كتاب "مديح الحب" الذي يرى فيه باديو أن الحب هو حالة وجودية يختبرها الإنسان، تستند إلى مركزين عوضاً عن مركز واحد، من دون أن يعني هذا ذوبان المحبين في بعضهم البعض.  

يبدو تعريف باديو للحب غير بعيد من تعريف "العمل الفني" (بشكل عام) والذي يمتلك منطقه الخاص وحالته الوجودية الخاصة.. لكن الفرقة لا تستفيد من هذا التعريف لبناء عرض متسق وذي منطق خاص، حتى أنها تعالج "لا مركزية" الوجود التي يتكلم عنها باديو بشكل يتعارض كلياً مع ما يقصده منه. 


هكذا تذهب الفرقة إلى مكان آخر، يصبح العمل الفني فيه أداة لشرح ماهية موضوعه، من خلال جمع أفكار وتأملات جُرّدت من سياقاتها الأصلية (أي السياق الذاتي الذي قيلت فيه ضمن المقابلات)، ومن المعاني المرتبطة بهذه السياقات. تقوم الفرقة بذلك من خلال قول الأشياء بشكل مباشر عبر اللغة، عوضاً عن خلق سياق جمالي وسردي يحتوي هذا القول فنياً. يمكن أن نطرح تساؤلاً هنا: أين تصبح وظيفة الفن أو المسرح إن كان يريد أن يأخذ وظيفة اللغة؟

كان أداء الممثلين جيداً بشكل عام، كما أن نص العرض يمتلك امكانات جيدة، لكن المشكلة في كثافة المادة التي تجعل الوقوع في السطحية سهلاً، بالإضافة إلى عدم قدرة هذا الكم من الأفكار على تشييد بناء متسق يمكن أن يبقي المتفرج مشدوداً إلى ما يحصل أمامه طوال وقت العرض. 

تبدأ المسرحية باعترافات، تتحدث فيها الشخصيات عن لحظات لقائها بمن تحب والأحاسيس التي شعرت بها خلالها. تبدو تلك اللحظات كأنها نوع من التعاويذ السحرية التي حولت الشخصيات إلى كائنات جديدة. يذكّر هذا بوصف آلان باديو للحب، بأنه قوة شبه ميتافيزيقية يستسلم لها الإنسان عندما يختبرها، وتشعره أن الصدفة التي أدت إلى لقائه بالآخر، ليست سوى تضافر لعوامل فوق طبيعية وقدرية. يتناغم هذا مع ما تقوله إحدى الشخصيات: الحب يشبه القطار الذي لا تعرف في أي ساعة موعد انطلاقه، وفي أي اتجاه سيأخذك.

تحتل "تعبيرات الحب" حصة كبيرة من العرض. من "أحبك" التي تكتسب رمزية الإستسلام للشخص الآخر، وتعتبر محطة أساسية في أي علاقة، تنقلها من مرحلة إلى أخرى، وتشحنها بطاقة تستمر لوقت طويل. إلى الكلمات التي يقولها الشخص خلال ممارسة الجنس والتعبيرات الجسدية التي تخرج بشكل إرادي ولا إرادي، كالارتجاف والعرق والبقع التي يتركها المحبون على الشرشف. 

تجسد إحدى شخصيات العرض التناقضات الجسدية التي يمر فيها المحب، من خلال نوع من الرقص العنيف المستوحى من موسيقى "هيب هوب"، يحاكي تقلبات المشاعر والأحاسيس و"الحروب التي تحصل في قلوب العشاق" عند شعورهم بالغيرة أو الهوس الممزوج برغبة الإنتقام.

يقدم العرض عشرات القصص والتأملات المرتبطة بالحب، وأحيانا تقدم شخصيات عديدة، أكثر من قصة في الوقت نفسه، ليختار المتفرج من بينها ما يريد وما يناسبه. يحصل هذا في عالم متعدد الجنسيات وبلا حدود، حيث تنتقل الشخصيات دائماً بين بلدان أوروبية وعربية، وبين هويات جندرية متعددة وأنماط علاقات مختلفة.

يحاول العرض إدخال الجمهور في لعبته، إن كان من خلال توجيه الكلام لأفراد منه، أو الطلب في نهاية العرض من المتفرجين أن يتفاعلوا بطريقة معينة مع الأشخاص الموجودين قربهم، ما شكل إحراجاً للبعض، وفرصة للتسلية للبعض الآخر. 

على مدار العرض، قدم زياد نوفل مقطوعات موسيقية من تسجيلات "شركة صدع" مأخوذة من أغانٍ لفرق لبنانية تناولت موضوع الحب (قدمت بلا الكلمات). طبعاً، هو موضوع يشمل غالبية الإنتاج الموسيقي اللبناني، لكن اختيار نوفل لأنماط تتراوح بين موسيقى الـ"بوست روك" و"الموسيقى الإلكترونية" يعزز "الطابع الشبابي" للعرض الذي يبقى بعيداً في كل حال، من مواضيع الحب العائلي وقصص الزواج والأطفال. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024