عن دعوة يوسف زيدان إلى التطبيع..

وجدي الكومي

الأربعاء 2018/10/03
لا توجد كلمات أجدر لوصف حالة يوسف زيدان، سوى بالرغبة المستميتة في إثارة الفرقعات، لكن ﻷنه "سكندري فطن"، فالواضح أنه يحسب خطواته جيداً، بل هو يسدد الرمية وينتظر من يتلقفها منه، ويسددها مرة أخرى إلى المرمى كي يصطاد عصفورين بحجر واحد ببريق زائف.

في مرمى المقاطعة الثقافية المصرية العربية مع الكيان الصهيوني، يسدد يوسف زيدان، الرمية تلو الرمية، راغبا في إحراز الهدف، وهدّ جدار "مقاومة التطبيع الثقافي" الصلد الذي أقامه المثقفون المصريون منذ عقود، منذ مشاركة إسرائيل بجناح في معرض القاهرة الدولي الكتاب في العام 1982.

زيدان وبسبب فرقعاته الإعلامية التي تناولت صلاح الدين، وأحمد عرابي، تسبب بسنّ قانون شديد التعسف عُرف بـ"قانون إهانة الرموز"، قيّد من حريته، وحرية كثيرين. زيدان توعد حال إقرار القانون بأن يهاجر من مصر للأبد. ولكن القانون أُقر، ولم يهاجر زيدان، بل بحث عن مطية أخرى يمتطيها، لإطلاق فرقعة جديدة، فكانت دعوته الصريحة هذه المرة إلى التطبيع الثقافي مع إسرائيل.

المشاهد المصري المستقر في منزله، بعد عودته من عمله المنهك، وبينما يجلس متململا متنقلا بين الشاشات المصرية التي تستقبل ضيوفا ليتحدثوا في أية موضوع عدا الغلاء والأوضاع الاقتصادية، قد يجد زيدان جالساً مع محاوره محمد الباز، على شاشة فضائية "المحور" المصرية، واصفاً المثقفين المصريين والعرب الذين قاوموا الاستيطان اﻹسرائيلي بالمقاطعة والتجاهل ورفض التطبيع الثقافي ولا التعاون اﻷدبي، بأنهم "جهلة". وإن كان هذا المسلك الذي يراه زيدان "جهلاً"، فما هو الوصف اﻷجدر بدعوته سوى "التبجح".

يخلط زيدان في حديثه بين اليهودية والصهيونية، ويُصدّر المواجهة والاشتباك مع اليهودية كأنه يلوح لمعارضي رأيه بتهمة معاداة السامية، متجاهلاً عمداً وقصداً أن المثقفين المصريين والعرب، يدركون الفارق الذي يحاول التشويش عليه. يتحدث زيدان عما يسميه "النحيب اليهودي" قائلاً: "لما جيت عملت سنة اليهوديات، حوالي 25 محاضرة، قلت للناس خلونا نفهم الموضوع دا، فنعمل محاضرة عن النحيب اليهودي، وكيف يستدر اليهود العطف، بالنحيب؟".

استغرق زيدان في 25 محاضرة، لفهم النحيب اليهودي، وشغل متابعيه بهذه القضية، متظاهراً بدراسة المسلك اليهودي، مصدراً "رقيه وتحضره وتثقفه"، وامتيازه عن الجهلة الذين يرفضون التطبيع، قبل أن يدعو إلى التعامل مع إسرائيل على أنها عدو عاقل، فينتقل بلسانه، بين جملتين، ما بين اليهودي واﻹسرائيلي. زيدان يدعو محاوره إلى فهم الاشتباك مع اﻹسرائيلي، مداعباً الجمهور الذي يتخوف من مصير أن تكون مصر مثل سوريا، فيطمئنه إلى أن إسرائيل: "مش من مصلحتها أن مصر تبقى زي سوريا، لكن كمان مش من مصلحتها أنك تعمل طفرات". المواطن المصري البسيط لن يعبأ وسط تيه الحياة اليومية، وصعوبات ما يواجهه من أعباء، ومشكلات العام الدراسي الجديد، وتطوير المناهج الدراسية، بمحاولة إسرائيل "منعنا من إحداث الطفرات"، لكنه سيطمئن بوعد زيدان، بأن "عدوه العاقل إسرائيل لن تجعل بلده ذات يوم كسوريا".

يحتاج هذا الزمن رجل مثل يوسف زيدان، يتحدث مع المصريين عن أعدائهم العقلاء، أو المخبولين، ويطمئنهم تجاه إسرائيل، بأنهم أعداء عقلاء، فلا مانع أبدا من فتح الجدار الأخير الواقف أمامهم، بزعم أننا سمحنا للزراعي والصناعي أن يمارسا التطبيع في هذين المجالين، فلماذا نتشبث بالمقاطعة الثقافية؟

هكذا يدافع زيدان عن التطبيع الثقافي، بأننا قد سبقنا فعلا إلى التطبيع الزراعي والصناعي، فهل تغيرت حياتنا للأفضل بعدما حدث طبعنا في المجالين..؟ هل صرنا نأكل فواكه أشهى وأطيب؟ هل اتسعت الرقعة الزراعية المصرية بفضل التطبيع الزراعي مع إسرائيل؟ أم زادت المصانع وتضاعف اﻹنتاج بفضل إتفاقية الكويز مثلا؟

أسئلة يتجاهلها زيدان، ولا يطرحها محاوره محمد الباز، ﻷن اﻷخير يبحث عن مانشيت للحلقة، فيعاجله بسؤال: هل ستوافق على الذهاب إلى إسرائيل حال تلقيت دعوة؟

هنا يدس زيدان السُم كاملا، لمشاهده، إذ يقول: لقد ذهب طه حسين إلى القدس عام 1947، وخطب في الجامعة العبرية، ولكنني لن أذهب إلا بشرط، أن تأتي الدعوة إلى اتحاد الكتاب، وهذا ما سيوافق عليه زيدان، قائلاً: "طه حسين العظيم راح ألقى محاضرة سنة 47 في الجامعة العبرية في القدس، أنا مش هعمل كدا، أنا هقول لهم، ابعتوا الدعوة دي لاتحاد الكتاب، ولوزارة الخارجية، وإذا اتحاد الكتاب وافق، ووزارة الخارجية وافقت، هاروح، أنا مبعملش حاجة تحت الترابيزة، أنا لو هاروح، هعمل دا بدافع خدمة البلد دي، أنا استغنيت، مش عاوز حاجة".

لا نفهم بالضبط من أين استقى زيدان معلومة أن طه حسين ذهب إلى الجامعة العبرية، والثابت أن عميد اﻷدب العربي لم يقطع هذه الرحلة، التي اتهمه بها أعداؤه من اﻹسلاميين ممن ألصقوا به تهمة مساندة الصهيونية. الكاتب الصحفي حلمي النمنم، وزير الثقافة الأسبق، فنّد هذه الدعاوى، في كتابه "طه حسين والصهيونية"، ووثق مقالات كتبها طه حسين في المسألة الفلسطينية، حذر فيها من توافد الهجرات. وحرص النمنم على تقديم دلائل اهتمام عميد اﻷدب العربي بالقضية الفلسطينية، في باب كامل بالكتاب حمل عنوان "الصهيونية وفلسطين عند طه حسين". وقال النمنم إن أرشيف طه حسين يُكذّب الادعاءات التى اتهمته بعدم الإلتفات إلى القضية الفلسطينية، إذ نشر وكتب كثيرا عن قضية فلسطين، ونشرت كوكب الشرق، فى أكتوبر 1932 مقالا لطه حسين حمل عنوان "فلسطين".

وفي حوار له مع سامح كريم في مجلة الإذاعة والتليفزيون قال طه حسين تصريحه اﻷشهر: لا توجد حضارة لإسرائيل حتى نواجهها وبالتالي لا توجد لها حضارة تصارعنا، وإنما يوجد استخدام واستغلال من جماعة اليهود الوافدين من الغرب على فلسطين.

الواضح أن زيدان يستقي معلوماته عن طه حسين من صفحة "إسرائيل بدون رقابة" التي اتهمت العام الماضي عميد اﻷدب العربي بزيارة إسرائيل، ولفقت له زيارة لم يجرها، فخرج زيدان، واﻷرشيف الصحفي في غوغل يؤكد ذلك، بتصريحات في حوارات متلفزة ردد فيها بأن طه حسين قد زار القدس. في لقاء لزيدان مع عمرو أديب، في ديسمبر عام 2017، قال صاحب "عزازيل"، إن طه حسين زار القدس عام 1942، فلماذا نسي التاريخ الذي سبق وأن ردده مع عمرو أديب، وغيّره إلى عام 1947 إن لم تكن الزيارة التي يلفقها لطه حسين من خياله.

الظاهر في هذه القضية هو توق يوسف زيدان الشديد للذهاب إلى إسرائيل، لكنه يرغب في مسك العصا من منتصفها، فلن يلبي الدعوة التي يتمناها إلا إذا وافق اتحاد الكتاب، وهي الجهة النقابية المتمسكة بمناهضة التطبيع بشدة، إلى جانب نقابة الصحافيين المصريين. فلماذا يرغب بالحصول على إذن من "الجهلة" لزيارة إسرائيل؟



©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024