2018... عام تدهور الثقافة

روجيه عوطة

الثلاثاء 2018/12/25
من الممكن وصف العام 2018 بأنه عام التدهور الثقافي في لبنان. وهو بذلك لا يختلف عن سابقه، لكنه يفاقمه. فقد بدأ هذا العام بإقفال مركز "دواوين"، وبالتالي، انتهاء أو تعليق تجربة امتدت أكثر من أربع سنوات. كما أنه انتهى، وكالعادة، بصالون الكتاب ومعرضه، اللذين لم يظهرا سوى بجوهما المتقادم والمضجر. وبين الاثنين، جرى افتتاح المكتبة الوطنية، الذي ترافق مع احتجاج جمع من أهل الثقافة، من الممانعة ونقيضها معاً، على ابقائهم، وهو إبقاء متوقع للغاية، من دون أي دعوة إليه. بالتالي، امتد التقهقر هذا العام من أوله إلى آخره، من تصفية مسعى وجهد صادقين من قبل الفنانة سارة صحناوي والفنان رامي صباغ، إلى استجداء الوسط الصحافو-ثقافي، وبنبرة الحرد، للسلطة الرسمية أن تستقبله في ربوعها، مروراً بصالون، لا تزال فرانكفونيته من خمسينات القرن الماضي، وبمعرض لا تزال برمجته تحصل في السبعينات من القرن ذاته.

رفع عتب
واقع العام 2018 هو ما أصاب "دواوين". أما المناسبات الباقية التي تخللته، فمن المتاح التعبير عنها بكونها تمّت "رفع عتب"، نعم، رفع عتب لا أكثر ولا أقل. وربما تكون هذه العبارة هي الأكثر ملاءمة للحديث عن الفعل الثقافي في البلاد، أياً كان شكله، والذي ما عاد من السانح، وفي هذا العام تحديداً، التستر عليه بحجج ليست واهية بل ميتة قبل التلفظ بها. ففي حال جرى التطرق، وبصراحة، إلى ذلك الفعل، ينطلق القيمون، أو اصحاب وَهم الانتفاع به، في الدفاع عنه بطريقة تبرر وضعه المتدهور بأنه على الأقل موجود. فلا حاجة إلى أي نقاش حول تنظيم هذا العرض، أو حول تلك المسرحية، أو حول هذا الكتاب، أو حول هذه المحاضرة، وتلك المسألة، وهذا الفيلم، وهذه المجلة... لا حاجة، ما دام "في لبنان، هناك ثقافة على الأقل"، واي اعتراض عليها هو رد للبلاد إلى العدم، إلى عدمها الثقافي، كما لو أننا الآن، في هذه اللحظات، نعيش في غيره.

في الحقيقة، ما يمنع وجود فعل ثقافي، فاعل وغني وفطن وخلاق، هو هذه الثقافة، ثقافة التستر على "رفع العتب" بـ"على الأقل هناك شيء ما". وفي الحقيقة أيضاً، المحاولات الثقافية اللامعة والقليلة، التي انطوى عليها العام 2018، لم تحصل إلا بعيداً من هذه الثقافة الطاغية برداءتها.

في العام الحالي، أكد عالم الثقافة، وكأي عالم يدعي أنه بديل، أنه ليس سوى جزء من  نظام الانهيار الذي يحكم البلاد، وأنه لا يستطيع العيش بلا هذا النظام وبلا التماثل معه. كما أن بغيته الوحيدة أن ينصهر فيه على متن كلام رجعي وتقدمي على حد سواء: النظرة الطبقية مستورة بالكلام ضدها، الطائفية مستورة بالانفتاحية التي تكرسها، الحماقة مستورة بالترويج لها، وكل سوء ممارس تحت خطبات، وليس خطابات، عكسه... عالم الثقافة، وسطه، هو الذي يمنع وجود ثقافة، وهذا الاستنتاج مبالغ فيه، وقد تكون مبالغته كبيرة. ذلك أن هذا العالم، وفي أوج اجتماعه وتآزره، لا يمكنه سوى أن يكون مجرد متسول أمام أبواب السلطة المنهارة على شاكلته، والمنهارة على كل شيء وفي كل شيء.

في كل الأحوال، هذا العالم واضح الانهيار، ولا يستحق هذا التعليق حتى. لكنه، وفي العام 2018، صار كوميدياً، تماماً كوضع كل التمثيلات في لبنان، لا سيما السياسية منها. وعندما يتحول أي عالم إلى عالم كوميدي، لا يعود يستلزم سوى الضحك عليه، الضحك على موضوع محدد فيه، وهي أنه يقتنع بكونه عالماً، وبكون مَدّه ببعض الجرعات الإعلامية والجامعية وغيرها ستجعله برّاقاً. وأن يستمر هذا العالم على منواله بعد العام 2018 لا يعني سوى وضوح انهياره أكثر فأكثر. أمنية العام 2019: ثقافة أخرى!
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024