القارئ لا يثق في دور النشر العربية(*)

رولا الحسين

السبت 2018/12/22
في كل عام عندما يحين موعد معرض بيروت الدولي للكتاب، تُتداول نكتة أن الأصدقاء الذين أصدروا كتبًا هذا العام صاروا أكثر من الذين اشتروها، كاعتراض ساخر على كثرة النشر. 

لكن، لم لا؟ لطالما أن دور النشر هي وسيلة النشر الوحيدة، وكان وصول الأعمال إليها مشقة أو حكرًا على النخبة، وكان ذلك أمرًا مثيرًا للسخط، ومحبطًا. الآن، اختلف الأمر مع ظهور المنصات الإلكترونية التي أتاحت للجميع أن يكتب. وربما أدى هذا إلى اهتمام دور النشر بالأسماء والتجارب التي لاقت صدى في تلك المنصات وبين جمهورها. وكأن هذه الدُّور اعتمدت على المنصات في اكتشاف أسماء جديدة، ومن ثم في تسويق ما تنشره لها. هذا إضافة إلى الواقع الذي ولّدته الثورات المتنقلة من بلد إلى آخر. فنتج عنها ما نتج من تجارب مكتوبة وجدت طريقها إلى دور النشر، والمنظمات الأجنبية التي فتحت أبوابها لها باعتبارها مادة دسمة تندرج ضمن القضايا التي تدعمها. والاهتمام الأجنبي نفسه دفع دور النشر العربية إلى الاهتمام أيضًا بهذه التجارب. وهذه الفرص والمنصات سمحت للقراء بأن يصبحوا كتّابًا، أو على الأقل أن يخوضوا تجربة الكتابة. 

والرواية الأجنبية المترجمة، طرحت على القارئ العربي أبعاداً إضافية لم يجدها في الكثير من الروايات العربية. وذلك، رغم أن تغييرًا نسبيًّا طرأ على مفهوم البطل والبطولة في الرواية العربية، فأصبحت صفات البطل الروائي أكثر واقعية، وإنجازاته أكثر إنسانيةً، وبهذا المعنى أصبح أي شخص بطلاً، وأي فعلٍ بطولة ويستحق الكتابة له وعنه. إلا أن القارئ لا يثق في الرواية العربية كثقته بالرواية الأجنبية.

أولاً، لأنه لا يثق في دور النشر العربية كثقته بتلك الأجنبية. ذلك أن الأولى، نتيجة الشكوى الدائمة من عدم البيع، فتحت باب الدفع مقابل النشر، وهو باب ما زال غير مفهوم، بالنسبة اليّ على الأقل: كيف يدفع الكاتب ثمن طبع ونشر كتابه، ويحصل في المقابل على عدد محدود من النسخ ونسبة مخجلة من المبيع، كون البيع قليلاً؟

وثانيًا، لأن الرواية الأجنبية حاصدة جوائز. فتصبح الجوائز هاجس الكاتب كجواز عبور هو الأبرز إلى ترجمة أي رواية، كون الترجمة هي باب الانتشار الوحيد والاعتراف الأهم. وهنا، تبرز مشكلة الثقة في هذه الجوائز والأعمال المرشحة، والتي في أحيان كثيرة تطغى على موضوعاتها القضايا الطارئة، بغض النظر عن قيمتها الأدبية.

الرواية العربية في حاجة إلى التخفيف من الدهون الزائدة والحشو والاستعراض اللغوي، تحتاج إلى الحذف، لا الإضافة. ولهذا لا بد من تعاطٍ مختلفٍ معها، من قبل دور النشر، بحيث يتخطى دور الناشر التحريري التدقيقَ اللغويَّ، ليصبح المحرر شريك الكاتب في إنتاج عمل رشيق. وهناك حاجة إلى ما يُغني الروائي عن الهجس بالجوائز والتسويق، وبالتالي إلى وجود وكيل أعمال يحرر الروائي من عبء سوق الدارج.

(*) مساهمة الرسامة والروائية اللبنانية رولا الحسين في ملف "الرواية العربية... إلى أين؟"
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024