عمر الشيخ لـ"المدن": أطردُ كورونا بالشِّعر الافتراضي ومسلسلات طفولتي

المدن - ثقافة

الإثنين 2020/03/30
(*) منذ أعلان حظر التجوال، إلا للضرورات، في قبرص، قبل عشرة أيام، وحتى قبل ذلك بأسبوع، بدأت أرتب أكثر وقتي المنزلي بالعمل والكتابة من دون تردّد، ولطالما كنت قد اختبرت عزلة البيت لأيام طويلة في سوريا. لم أخش الملل، أو تضييع الوقت في التأمل واليأس أو انتظار شفاء العالم لأعود إلى الحياة.

كانت الكتب وبعض نوافذ الأصدقاء، فرصة لتنظيم هذا الاحتراز العام في ظل تفشي فيروس كورونا. بدأتُ بسلسلة كتب عن الدراسات المقارنة في الأديان، والتي أعدها الباحث الدكتور منذر الحايك، جاري في مدينة لارنكا، وهو برأيي أحد كنوز المعرفة في تاريخ الأديان والنصوص المقدسة. كما عدتُ إلى أعمال كونديرا فاخترت إعادة قراءة "الجهل" و"الهوية" و"خفة الكائن التي لا تحتمل" و"غراميات مرحة". وسافرت إلى عالم الشاعر الأميركي وولت ويتمان، للمرة الأولى منذ عشر سنوات، فوضعت على الطاولة "أوراق العشب"، تواصلت مع نصوص مسرح جان بول سارتر وألبير كامو وصاموئيل بيكيت وهنريك ابسن، إضافة إلى عملي بالترجمة من اللغة اليونانية، لقصائد شعراء قبارصة ويونانيين. أواظب على حضور فعاليات "أونلاين" في تعليم الرسم وأمسيات أسبوعية لقراءة الشعر. لم نتأخر حتى وجدنا طريقة لاستمرار التواصل عبر برامج متعددة، "زوم" أو "سكايب"، تجعلنا نتبادل الفيديوهات والأصوات والأفكار والنصوص والمشاريع المكتوبة، ونشرها، على أمل العودة إلى لقاءاتنا العادية. 

عدتُ لمشاهدة برامج الأطفال، مثل "كان ياما كان الحياة" و"قصص عالمية" و"النمر الوردي". شاهدت حلقات مسلسل "مرايا" القديمة، ومنها مثلاً حلقة "الرهان"، التي تحتفل بالكتاب شريكاً للعزلة والسجن. شاهدت بعض حلقات مسلسل "الفصول الأربعة" السوري، إخراج حاتم علي وكتابة ريم حنا ودلع الرحبي، لأني كنت بحاجة لشيء سوري جميل في هذه الغربة. كما استمريت في مشاهدة المسلسلات القبرصية لتعزيز لغتي اليونانية، كوني في عزلة عن العالم ولا أتكلم كثيراً، وثابرتُ على سماع قصائد يانيس ريتسوس بصوته، ومتابعة النصوص مطبوعة أمامي.

حسّنت من قدرتي على تنظيم الوقت والطعام والحركة والأفكار، ذهبت نحو استهلاك كل لحظة في يومياتي، غيّرت الكثير من مبادئ التواصل مع الناس من عفوية المصافحة إلى السماح بالتطفل على عزلة الآخرين، واعتنيتُ بنفسي أكثر. حاولتُ أن أرسل للأصدقاء والصديقات صوراً من التجارب اليومية لفهم الحياة وفهم الذات، والتمتع قدر الإمكان بقدرات العقل والخيال على السفر.

كتبت مسرحية للمرة الأولى، وباللغة المحكية السورية، "مونولوج" عن سوريا، وستترجمها صديقتي إلى الإنكليزية على أمل عرضها في قبرص وبلدان أخرى. بدأت بنقل قصائدي الجديدة إلى اللغة اليونانية، قرأت منها في أمسيات ماضية، وأستعدّ لأمسيات مقبلة، "أونلاين" وواقعية... رتّبتُ مسودات قصائد لم تنشر، راجعتُها وحذفت الكثير والكثير.
 
ببساطة أحتفل بذاتي للكتابة، وأشرب وأناقش أصدقائي ساعات طويلة. أعمل مع منظمة غير ربحية من منزلي، أحرر المحتوى العربي فيها وأصححه. أطرق أبواب التواصل الافتراضي لتسجيل قصص ومقابلات للتاريخ الشفوي للسوريين، أسافر معهم ساعات طويلة في أحلامنا وأفكارنا. ليس لدي أدنى فكرة عن لحظة رحيلي عن هذا العالم، ولستُ مهتماً بالخوف طالما أحتاط وأنظف كل شيء وأراقب هلع العالم وجهل البعض، وأشفق، طالما عقلك بخير أنت بخير.

لستُ وحيداً، بقدر ما أنا أبني مملكتي من الكتابة والكلمات والصور والمخيلات اليومية. بين يديّ كتب تأتيني من دور نشر كهدية للقراءة والكتابة عنها، وهذا مفرح جداً لأنه لا كتب عربية في قبرص... ثمة منابر أطلق صوتي عبرها من آراء ونصوص ومقالات... ما أخشاه حقاً أن يكون العالم مقفل على احتمالات سخرية فقط، من كارثة سببها الأول هو الجهل، وثانياً التعدي على الطبيعة واختراق خصوصيتها واستباحة نقائها. 

كنت أتخيل أن خراباً ما سيأتي، منذ حرائق استراليا والأمازون وأرز لبنان والاحتباس الحراري وحروب روسيا وأميركا في العالم والأنظمة الديكتاتورية ضد الناس... لا أدري لماذا ينفقون مليارات الدولارات من أجل تطوير الأسلحة والطائرات الحربية والقنابل الذكية والجرثومية والنووية!! ويركضون نحو تمجيد الطوائف وعبادة الزعماء والقبول بالجهل، فيما لم يتركوا للعلم أن يحمي الإنسان من عبثه اليومي، بأكل كل شيء في الطبيعة من دون تقديم ثمن حقيقي لذلك.

منذ سنوات حذّر بيل غيتس من "معركة مقبلة مع الميكروبات والفطريات". حينها لم يسمع له أحد، وها هي النبوءة تصدق ويسقط العالم في أنانية السياسة والنظام الرأسمالي.

(*) شهادة رواها لـ"المدن" الشاعر والمترجم السوري، عمر الشيخ، عن يومياته مع الكورونا.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024