محمد نجم.. في رثاء المراهقة

هشام أصلان

الجمعة 2019/06/07
بنظرة على المواقع الخبرية التي تابعت خبر رحيل الممثل المصري محمد نجم، لفتني وقوف غالبيتها عند الآراء التي أعلنها في سنواته الأخيرة حول عمل المرأة في الفن. كان قد قال كلامًا حول رغبته في تقديم مسرحيات تعتمد على الرجال فقط، يمنعه من ذلك فقط عدم توافر الكتابة المسرحية المشروطة بهذه المسألة. وشرح في لقاء مع إحدى الفضائيات كيف أنه ينزعج من الاعتماد على إظهار أجزاء من جسد المرأة في المسرح لجذب الجمهور: "أنا مش عايز المشاهد يُثار"، لدرجة مهاجمته لجهاز الرقابة على المصنفات الفنية، معتبرًا أنه لا يقوم بدوره على أفضل وجه.

وليس مفهومًا، في تصوري، الوقوف عند هذه الآراء بوصفها دلالة على أي شيء جاد في نظرة نجم للفن، أو أي كلام حول الرجعية أو احتقار المهنة أو المرأة، ذلك أنك إن حاولت استرجاع مشوار الفنان، لن تتذكر له مشهدًا يتكئ على أي شيء سوى التنكيت أو الكاراكتر الشكلي الذي كان مُضحكًا في فترة زمنية سابقة. ولا أقصد أنه بلا موهبة، لكنها تلك الموهبة الفطرية المتوافرة لكثير من الناس. غير أن ما يستحق التوقف عنده في كلام محمد نجم هو أن ما يمنعه من الاعتماد على الرجال وحدهم في أعماله، يتمثل في صعوبة توافر كتابة لعمل "رجالي". ذلك أن نوعية المسرح التي قدمها الرجل وأقرانه لم تعتمد أبدًا على الكتابة. الجميع يعرف أن المسألة تبدأ بفكرة بسيطة، تتطور عند عرضها لسنوات، إلى مجموعة من الإفيهات المرتجلة للممثلين خصوصًا بطل العمل.

بدأ محمد نجم مشواره مع التمثيل مطلع السبعينيات، وهي الفترة التي راجت فيها الأفلام المصرية التجارية في أجواء سياسية بدأت في أعقاب نكسة يونيو 1967 وتطور تدهورها، فنيًا، بعد حرب 1973. التحق بفرقة عبد المنعم مدبولي المسرحية، وبعد عدد من الأدوار الصغيرة في تلك النوعية من الأفلام السينمائية، اتجه للعمل في المسرح فقط، حيث كانت ذروة تألقه جماهيريًا مع أفضل أعماله، المسرحية الشهيرة "عش المجانين"، والتي جاء الكثير من نجاحها كوميديًا محمولًا على أكتاف الفنان الجميل حسن عابدين. بعد ذلك أسس فرقة مسرحية تحمل اسمه، وقدم معها عددًا كبيرًا جدًا من الأعمال: "عبده يتحدى رامبو"، "البلدوزر"، "اعقل يا مجنون"، "المشاكس"، "واحد لمون والتاني مجنون"، "الواد النمس"، والكثير غيرها.

وكانت أعماله المسرحية ضيفة دائمة على السهرات التلفزيونية للأسرة المصرية من الطبقة المتوسطة، خصوصًا مع نهاية الثمانينيات وأوائل التسعينيات، حينما انتشرت أجهزة الفيديو التي كانت، قبل الفضائيات، جزءاً أصيلاً من سياق هذه المرحلة، وشكّلت تغييراً نوعياً في ثقافة الآباء والأمهات، وتشكيلاً للوعي، بالأحرى الذاكرة العامة، للأبناء الذين صادفت مراهقتهم تلك الفترة.


وبتأمل بسيط، نستطيع أن نرى العلاقة بين أعمال ممثلين، مثل محمد نجم، وبين عناصر ثقافة مراهقي هذا الجيل، ابناء وبنات الطبقى الوسطى. فكان كافيًا، على سبيل المثال، لإنجاح إحدى مسرحياته جماهيريًا، أن يسميها "عبده يتحدى رامبو"، في استثمار للنجاح المدوي لسلسلة أفلام "رامبو" بين المراهقين، الذين هم، أيضًا، أصحاب خيال متحفز تجاه الترفيه بالتمشية أو التجمع عند المراكز التجارية الكبيرة، أملًا في ما قد يجده مع الموسم الصيفي للسياحة الخليجية، والتي كانت مساحة كبيرة من انتعاشها في العاصمة المصرية تقوم على التنقل بين أماكن السهر والمسارح التي تعرض هذه النوعية من الأعمال الخفيفة. وكان محمد نجم من عمداء هذا الترفيه الذي يشتغل على سطح متطلبات اللحظة.

يستحق محمد نجم، ومن يشبهونه، الرثاء في الرحيل. ذلك أنه، شئنا أم أبينا، أحد الجالسين في ذاكرتنا ولو بعبارة "شفيق يا راجل". هو رثاء لأوراق شجرة المراهقة المتساقطة. ولا يعرف الواحد إن كان من حسن الحظ أو سيئه أنها كانت مراهقة لواحدة من المراحل الزمنية الخاصة في التاريخ الإنساني. ونحن نحب مراهقتنا بحلوها وسيئها.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024