محمود درويش: كلما انتهى حُبّ..أدركَ أنه لم يكن حبّاً

محمد حجيري

الأربعاء 2020/06/10
ليست هذه المرة الأولى التي تتحول فيها خصوصيات الشاعر الفلسطيني محمود درويش، عنواناً لجدل لا ينتهي في فايسبوك ووسائل الإعلام... بداية من حبه، وهو الفلسطيني الثوري، للفتاة (اليهودية) ريتا، التي تعرَّف إليها في ريعان شبابها، وهي راقصة في فرقة، خلال احتفال نظمه حزب "راكاح" وانفصلا بعد حرب 1967، ثم ما لبثنا أن عرفنا اسمها الحقيقي، وصورتها، بعد سنوات، وقد باتت تقيم في ألمانيا، في فيلم وثائقي عن درويش. إلى زواجه الفاشل من رنا قباني (نجلة صباح قباني شقيق الشاعر نزار قباني)، وقد سردت رنا تفاصيل العلاقة "المراهقة"، من التلاقي في واشنطن في أمسية شعرية، والزواج بطريقة متسرعة وحتى تدخل منظمة التحرير الفلسطينية لحل المشاكل بينهما والطلاق في نهاية المطاف... وكان زواج محمود درويش ورنا قباني، المليء بالهدايا، نموذجاً للزواج الفاشل وأنماط الغيرة والتوتر والقلق... لم يكن درويش، العاشق متعدد الأنوات، "يحب الكلام عن الزواج، ولا عن الأطفال"، بحسب الناقد والشاعر شربل داغر في كتابه "محمود درويش يتذكر في أوراقي: أكتب لأنني سأعيش". وذات مرة قال درويش: "يقال لي كنت متزوجاً، لكنني لا أتذكر التجربة، لم نصب بأي جراح.. انفصلنا بسلام، ولم أتزوج مرة ثالثة، ولن أتزوج، إنني مدمن على الوحدة.. لم أشأ أبداً أن يكون لي أولاد، وقد أكون خائفًا من المسؤولية". يعترف درويش بفشله في الحب كثيراً: "أحب أن أقع في الحب، السمكة علامة برجي (الحوت)، عواطفي متقلّبة، حين ينتهي الحب، أدرك أنه لم يكن حباً، الحب لا بد من أن يعاش، لا أن يُتذكر". 

ما يقوله درويش عن نفسه، لا يبتعد عما قاله صديقه سليم بركات عنه في مقاله المثير للجدل "محمود درويش وأنا" وعن هروبه من الأبوة والإبنة... وما قاله بركات بالمختصر قصة "مسلسل تركي فاشل"، او قصة "مسلسل مكسيكي فاشل". فصاحب القضية، في العالم الآخر، ولا لسان له ليقول فصول الرواية وتفاصيلها، المرأة المعشوقة متوارية، ربما سنسمع الكثير من التكهنات حول هويتها، والحديث عنها الآن يتحول تشهيراً، مع التذكير بأن درويش في حياته الكثير من النساء، بعضهن مُعلن وبعضهن الآخر مجهول...

ومقال بركات، يجعلنا نطرح أسئلة، بغض النظر عن التأويلات التي راجت في فايسبوك، وألقت اللوم على سليم بركات أو استهجنت تصرفات محمود درويش... هل "خان" سليم بركات ثقة صديقه الشاعر فعلاً، أم كان وفياً لقضية إنسانية؟ لماذا يبوح شاعر بسرّ عن قضية عمرها عقود؟ ولماذا لم تلجأ الأم (عشيقة الشاعر) المتزوجة، لإعلان والد ابنتها الحقيقي؟ لماذا استغراب علاقة درويش بامرأة متزوجة، وهو المعروف بعلاقاته النسائية، حتى إنه حين زار بيروت ذات مرة طلب مقابلة هيفا وهبي وهي لم تقبل الطلب، ولم تكتشف من هو إلا بعد وفاته؟ هل كان سليم بركات يهدف للإثارة في مقاله، وهل الإثارة تصلح "مدخلاً للكتابة عن محمود درويش او تذكّره"؟ كما يقول الكاتب الفلسطيني حسن خضر. وهل الأبناء هم أولاد البيولوجيا أم أبناء مَن يربيهم؟ هل نقول مثل جبران خليل جبران "أولادكم أبناء الحياة"، والقضية لا تتعلق باعتراف من هنا أو بمقالة من هناك؟ أحسب أن الأبوة لا تنتج من اعتراف امرأة بأن ليلة الجنس أنتجت بنتاً، وهنا تكمن المعضلة. وهنا يكون السؤال أيضاً، لماذا اتصلت المرأة المتزوجة بمحمود درويش لتخبره عن ابنتها منه؟ هل كانت القضية الأبنة؟ ام أن المرأة أحبته وأرادت خلاصها، أرادت من الابنة بوابة لعلاقة مستدامة؟ هل كان درويش ذكورياً، أم فسرت علاقته بامرأة متزوجة بطريقة ذكورية؟

قصة محمود درويش مع النساء تحتاج سرديات مطولة، بغض النظر عن رمزيته الثورية وعلاقته بفلسطين، وشِعره الجماهيري. في النهاية محمود درويش من لحم ودم، يعشق ويحب ويخطئ، ويصيب، مثله مثل غسان كنفاني وبابلو ونيرودا وبابلو بيكاسو، مع التذكير أن الأخيرين كُتبت سيرهم مع النساء، وكانت صاخبة وأعقد بكثير من قصص درويش التي تحتاج مَن يكتبها. وسبق أن كتبتْ رنا قباني خطوطاً عريضة عن العلاقة الزوجية التي ربطتها بدرويش، وهي مثيرة للجدل، ربما أكثر من قصة البنت التي تحدث عنها سليم بركات.

لا يختلف وقع خصوصيات محمود درويش وعلاقاته بالنساء، عن وقع خصوصيات الكثير من الشعراء، ومنهم أنسي الحاج، خليل حاوي، سعيد عقل، بدر شاكر السياب وتوفيق صايغ وغيرهم. هو الالتباس بين اللغة وهالة الشاعر وحياة الواقع. أحلام الشاعر وتوهماته، دائماً تصطدم بالواقع، والشاعر دائماً ما يهرب من الواقع. في المقابل، قد يرى بعض المجتمع الشعراء أنصاف آلهة، أو ترى العاشقات في الشاعر "ما فوق إنسان"، كائناً مجبولاً بالخيال والكلام المعسول الناتج عن قاموس العشق ومصطلحات مجنون ليلى، وتأتي الصدمة بعد العيش تحت سقف واحد.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024