أن يراك الرئيس فيدعمك.. شرط أن تتماشى!

ناصر كامل

الخميس 2021/08/26
ربما أثارت مداخلة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، التلفزيونية، قبل أيام، بعض الحسد، وبعض الاستغراب، والكثير من الأسئلة، لكنها، بلا شك، كشفت، بمزيد من الوضوح، مدى التردي في نظرة الرئيس للدولة وعلاقاتها بالمجتمع والأفراد في مصر.
كان البرنامج التلفزيوني، الذي يبث عبر قناة خاصة يملكها رجل أعمال وعضو في مجلس النواب، يستضيف الكاتب والسيناريست المصري المعروف، عبد الرحيم كمال، وإذ بصوت شخص يتدخل معلناً أن الرئيس على الهاتف، وبعد ترحيب مقدمة البرنامج (عزة مصطفى) بالرئيس، والتعبير عن سعادتها بمداخلته، بدأ السيسي حديثه بالاعراب عن تقديره لحديث الكاتب عن دور الدراما في تطوير الوعي الروحي، فقال: "أنت شخصية رائعة تتحدث بشكل يعكس حجم من المعرفة ورقي الفكر والثقافة.. لفت نظري حديثك عن تجديد الخطاب الروحي وحديثك عن التاريخ وتمجيده بفكرة معينة"، ثم أعلن هدفه الرئيس من المداخلة: دعمه لإنتاج عمل فني "جهز اللي أنت عايزه وأنا معاك".

من هنا ربما يكون قد نبت "الحسد"، فآلاف من زملاء الكاتب؛ من أجيال سابقة عليه ومن مجايليه ومن الأجيال اللاحقة عليه، ربما يتمنون أن يحظوا بتلك المصادفة العجيبة، مصادفة أن يستضيفهم برنامج تلفزيوني، وأن يكون الرئيس في وقت الفراغ من مهامه الجسيمة؛ فيشاهده، طبعاً مهم أن يكون كلامهم قد وقع في نفس الرئيس موقعاً جميلاً. من بين هؤلاء الآلاف ربما يكون هناك من هم على استعداد لمطابقة تصورات الرئيس، فهناك آلاف من العاطلين عن العمل.

وربما يكون الحسد قد شمل أيضاً قطاعات كبيرة من أجهزة الدولة الرسمية والعاملين فيها، وقد يكون قد قاربها بعض الاستغراب من الطريقة التي أعلن بها الرئيس دعمه، فهناك منها من لا يملك موازنة تكفي لإصلاح المكاتب والكراسي، اللائحة طويلة، منها مثلاً في قطاعات وزارة الثقافة: المركز القومي للسينما، قطاع الإنتاج الثقافي، هيئة قصور الثقافة، عشرات الهيئات والهياكل الإدارية في وزارة الثقافة تعاني من الفقر الشديد في الموازنة. هناك أيضاً قطاع الإنتاج في اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وهناك منظمات وهيئات تعليمية (اكاديمية الفنون)، وأخرى شبه حكومية، كل هذا ربما قاربه الحسد والاستغراب، والكثير من الأسئلة.

***
يتصرف السيسي على سجيته، فيكاد يقولها: لا دولة في مصر، أنا فقط. وإلا فإذا كان يريد دعم الإنتاج الفني فهناك طرق ووسائل معروفة تمر عبر أجهزة الدولة. فلتعلن وزارة الثقافة عن مسابقة لكتاب السيناريو لكتابة ما تراه الدولة من انتاج يخدم خطتها، ولا مانع من أن يشارك الرئيس في عضوية اللجنة التي ستقرر السيناريوهات الفائزة، وتحدد الموازنة، هذه هي الطريقة الصحيحة، لكنها طريقة لا يعتمدها منطق الرئيس. الرئيس يعتقد جازماً أن دراسات الجدوى واللجان لا فائدة منها، إنه يعتمد على المصادفة، والإلهام.


قالها واضحة، وقاطعة، في مداخلته. فهو إذ يعرج من الحديث، العابر للغاية، عما جرى في أفغانستان، إلى حديثه المعتاد عن "خطة اسقاط الدول"، وليس الأنظمة، يذكر أن السبب في ما جرى في أفغانستان، وفي العديد من الدول الأخرى (لم يذكرها) سببه أنه "مفيش قيادة، مفيش رأس تتحمل المسؤولية، والكل يمشي معاها، أو يتماشى معاها". وهكذا تظهر معادلة السيسي في مداخلته مع الكاتب الفنان: "الرأس، أنا، وأنت كفنان، أو كمواطن مصري تمشي معي، أو تتماشى معي، وعندها سأدعمك"، وهنا قد ينفلت الحسد والاستغراب من عقاله صارخاً: أنا أيضاً أريد أن امشي معك، أو أتماشى، أقسم بالله سأتماشى.

*****
عبد الرحيم كمال، الذي تخرج في معهد السينما العام 2000 يدرك بلا أدنى شك أن زملاء له يعانون بشدة من عسر الإنتاج الفني، وبعيداً من تقييم أعماله الفنية السابقة، وبينها مسلسلات نالت شهرة وشعبية جماهيرية لافتة وتقديراً نقدياً ملحوظاً، وبعيداً أيضاً من أن آخر أعماله، مسلسل "القاهرة كابول"، كان قريباً من تصورات السيسي، عن "خطة اسقاط الدول"، فإن معضلته كفنان تنبع من ردوده على الرئيس، فمع التقدير لظرف "المفاجأة" وضرورة "المجاملة" فإن إعرابه عن أن إعلان الرئيس دعم "الدولة" لعمل فني يكتبه بمثابة "دعم للحرية وللجمال وللفن" مما لا يمكن قبوله؛ حتى على سبيل مجاراة مجاملة الرئيس. فهو بلا أدنى شك، على إطلاع تام على مدى المعاناة التي يعانيها زملاؤه مع أجهزة الدولة في ما يتعلق بحريتهم كفنانين.
 
***
أشار السيسي في مداخلته التلفزيونية إلى أنه منذ كان مرشحاً لرئاسة الجمهورية (2014) كان يفكر في دعم "الإبداع"، ويبشر الفنان "لكن دعمي للإبداع موجود ومجهز له كويس"، سبع سنوات والرئيس يفكر، وها هو يسند لكاتب السيناريو الذي رآه مصادفة عبر شاشات التلفزيون فقرر أن يسند إليه المهمة "الخطيرة"، من أجل هدف كبير، وقالها بكل وضوح: "بطلب منك إنك تعمل عمل تحشد فيه كل الموهبة في أسرع وقت ممكن لبناء الوعي الحقيقي".

هذا كلام جدي، فالسيسي يرى فعلاً أن عبد الرحيم كمال يستطيع بناء "وعي حقيقي"، لكن ما هو هذا الوعي المقصود؟
يستعرض السيسي في المداخلة التلفزيونية جهوده الإصلاحية كـ"قائد، رأس، يمشي معه، أو يتماشى معه، الشعب"، ثم يصيغ الأمر على هذه الشاكلة: "تكلفة الاصلاح هائلة يدفعها المصلح، لا يمكن المصلح يكون محل رضى من الآخرين، ليه؟ بيتكلم عكس الطبيعة وعكس المسار اللي الناس ماشيه عليه"، وأخيراً تأتي ذروة رؤية السيسي لدوره: "الإصلاح عمل الأنبياء والرسل".

***
يدعو السيسي السيناريست عبد الرحيم كمال لـ"حشد" لعمل فني يستهدف تجديد الخطاب الديني، الخطاب الروحي، ثم يطرح تصوره لما يجب على كل مصري أن يقوم به في هذا المجال، ويسأل: "خايف تفكر، تفكر بالمعتقد اللي ماشي عليه صح ولا غلط، عندك استعداد تمشي بمسيرة بحث بالمسار دا حتى تصل إلى الحقيقة"، الرئيس يدعو كل مصري، مسلم، أو مسيحي، أو غيرهما، للتفكير في عقيدته، ثم يحدد أن الهدف هو "الوعي الشامل"، "وعي حقيقي".

هذا كلام جدي، رئيس قال على الملأ، مرات عديدة: لا تسمعوا كلام غيري، لا أحد يتكلم سواى، لو انتظرنا دراسات جدوى لن نفعل شيئاً، يطلب من كل مصر التفكير في مدى صحة عقيدته، ويسند لكاتب سيناريو، رآه مصادفة عبر التلفزيون، مهمة صياغة الوعي الشامل.

***
لا حاجة للتذكير بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي طالب شيخ الأزهر العام 2014 بتجديد الخطاب الديني، ثم كرر الطلب مرات، وبعد عامين أعلن الأزهر اتمام المهمة بخطة شاملة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024