الروائية الأميركية أليس ووكر مستهدفة.. في فلسطينيتها

سليم البيك

الأربعاء 2019/02/06
أجرت صحيفة "نيويورك تايمز"، في 13 كانون الأول/ديسمبر الماضي، حواراً مع الروائية والشاعرة الأميركية أليس ووكر، لحقته حملات تتهم صاحبة "اللون أرجواني" بمعاداة السامية. أجابت ووكر عن سؤال عمّا تقرأه حالياً، فذكرت عناوين عديدة، من بينها كتاب يُتّهم مؤلّفه -واسمه دايڤيد إيك- بمعاداة السامية. هذا وحسب، لا سبب آخر يتعلق بالحوار أثار حفيظة "أنصار السامية".

هنالك ما يمكن أن يودي بنا إلى ما هو أبعد من الإشارة إلى كاتب يُختلف على "لاساميّته" -صحيفة "الغارديان" أشارت إليه في خبرها عن الموضوع كصاحب "نظريات مؤامرة في أعماله يراها كثر أنّها لاسامية"- منها ما يتعلق بالصحيفة التي تلقت كذلك انتقادات بأنّها لم تتحقق من مضمون الكتاب الذي أشارت إليه ضيفتها، وردت تدافع عن حق الأخيرة في اختيار ما تراه مناسباً. إشارة كاتبة ذات شهرة عالمية، مثل أليس ووكر، في صحيفة ذات انتشار عالمي مثل "نيويورك تايمز"، هو أكبر دعاية يمكن أن ينالها أي كتاب ويتمناها أي كاتب.

لكن، وهذا الأهم، هناك ما يتعلق بأليس ووكر ذاتها. فمن السذاجة الاعتقاد بأن الإشارة عَرَضاً إلى كتاب يُتّهم صاحبه لدى البعض باللاسامية، هو فعل لاسامي، والإشارة -فوق ذلك- كانت ضمن إجابة عن سؤال.

الأهم في ما يخص ووكر، وهو السبب الأعمق للحملة، يتعلق بمكانتها الأدبية وتأثيرها، وشموليّتها حقوقياً. أما مواقف ووكر تجاه القضية الفلسطينية، فهي المحرّض الأساس لتلك، الحملة والسبب المباشر لها.

ووكر مؤيدة لحق العودة الفلسطيني، هي تعرف قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 194 الذي ينص على حق العودة، وأشارت إليه في إحدى مقابلاتها. هي مؤيدة وممارسة علنية وأساسية وقوية لحركة المقاطعة. وكما تنشط في قضايا حقوقية تتعلق بالسّود والنساء وعموم الشأن السياسي في الولايات المتحدة، فإنها تنشط أيضاً في الفعل التضامني مع الفلسطينيين، كمشاركتها في سفينة "فلوتيلا" المتوجهة إلى غزة العام 2011، مقاربة دوماً بين وضع السود في بلدها سابقاً ووضع الفلسطينيين في بلدهم اليوم، قائلة إن الوضع في فلسطين اليوم هو كما كان في الجنوب (جنوب أميركا حيث تركزت العنصرية) قبل خمسين عاماً بل أفظع. وهي ضمن هيئة المحلفين في محكمة "راسل" الرمزية في أميركا والتي تقاضي إسرائيل بجرائم حرب. وفي حديثها في رام الله ضمن "TEDxRamallah" حكت عن التحقيق الذي أُجري معها على الحدود عند الجسر، وكانت المرة الأولى التي يُحقّق معها في حياتها، وقد أجابت المحقق الإسرائيلي عن "سبب قدومها إلى إسرائيل" بأنّ هذه فلسطين وهي قادمة إليها.


العديد من المقابلات والنصوص المتوافرة على الإنترنت يمكن أن تكون سبباً مباشراً ودائماً لأي حملة يمكن أن تُشن على ووكر، من قبل صهاينة ومؤيدين للاحتلال الإسرائيلي. أما ما يغذي هذا الشر تجاهها -وهذا الأهم في ما يخصها والسبب الأعمق- فهو برأينا قدرتها على الربط بين القضايا الحقوقية، وإصرارها على ذلك، فالعدالة بالنسبة إليها لا تكون إلا إنسانية، في جنوب إفريقيا كما في الولايات المتحدة كما في فلسطين. ومنطق الربط بين القضايا الحقوقية الذي تعيشه ووكر اليوم، كانت قد كتبته في روايتها الأشهر "اللون أرجواني" التي صارت من كلاسيكيات القرن العشرين.

الرواية الصادرة العام 1982، نالت جائزة "بوليتزر" وجائزة الكتاب الوطنية في الولايات المتحدة. حُوّلت إلى مسرحيات وعروض موسيقية وفيلم من إخراج ستيفن سبيلبرغ، وتُرجمت إلى عشرات اللغات من بينها العربية (صدرت العام 2018 عن كل من دارَي "الأهلية" و"المدى" بترجمتين مختلفتين)، وكممارسة لمقاطعة إسرائيل رفضت ترجمة الكتاب إلى العبرية العام 2012.

الرواية التي تتناول، من خلال الرسائل، العبودية التي كانت تُمارس على السود من قبل البيض في الولايات المتحدة خلال النصف الأول من القرن العشرين، لا تخلو من ربط مركزي وشديد الحضور بين ذلك وبين الاضطهاد الجندري الممارَس على النساء السود من قبل الرجال السود، وبين الاضطهاد الطبقي ضمن السود كذلك، وبين الاستعمار الأبيض في القارة الأفريقية. نقرأ: "عندما أخبرتُها أن سكان أولينكا لا يؤمنون بتعليم الفتيات قالت، بلمح البصر، إنهم مثل البيض في بلادنا لا يريدون للسود أن يتعلموا." و"المنطقة برمتها، بما في ذلك قرية أولينكا، أصبحت الآن ملكاً لمصنّع مطاط في إنكلترا. ومع اقترابه من الساحل، ذُهل لرؤية مئات ومئات من القرويين الشبيهين بسكان أولينكا يقومون بقطع أشجار الغابة على جانبي الطريق، ويزرعون أشجار المطاط".

فمعادلة مضطهِد/مضطهَد كما هي حاضرة كثيمة أساسية في الرواية على شكل أبيض/أسود، هي حاضرة كذلك من خلال شخصياتها البيض والسود معاً (هنا، ما عاد للون البشرة أهمية) على شكل غني/فقير. وهي في الرسائل التي تأتي للشخصية الرئيسية "سيلي" من إفريقيا، حاضرة في شكل مستعمِر أوروبي/مستعمَر إفريقي، وهي في شكل رجل/إمرأة على طول الرواية إذ أن بطلتها امرأة، بل إن بطلتيها امرأتان، ومُضطَهِدهن (الاثنتان ونساء أخريات في العائلة) رجل أسود، ذكوري ومغتصِب ومعنّف، يجسّد فكرة المارتينيكي فرانز فانون في كتابه "بشرة سوداء أقنعة بيضاء".

في لحظة ثورة للشخصية الرئيسية سيلي (وتطور جوهري فيها)، ثورة امرأة سوداء تقول: "الله الذي كنت أصلي له وأكتب إليه ليس إلا رجلاً. وعاملني كما جميع الرجال الذين عرفتهم. رجال تافهون ومنحطون ومخادعون"، و"لو أنه استمع لمرة واحدة لما تقوله النساء الملونات المسكينات لكان العالم مكاناً مختلفاً".

صدرت هذه الرواية قبل 36 عاماً، ومؤلفتها ما زالت تمسك بجميع القضايا الحقوقية والعادلة التي تعيشها في هذا العالم باليد ذاتها، اليد التي كتبت بها روايتها، يد امرأة سوداء من عائلة فقيرة ترى في فلسطين نضالاً أسود ونسوياً تماماً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024