فرقة "أدونيس": الحب يهبّ على مدينة تنتهي

روجيه عوطة

الإثنين 2016/06/06
لم يكن الهواء هادئاً حين ظهرت فرقة "أدونيس" الموسيقية مساء الأحد(5/ 6/ 2016) على منصة مهرجان "ربيع بيروت" في حديقة سمير قصير. إذ لم يتوقف، وعلى طول الحفلة، عن الهبوب، مبدلاً جوّها، وجاعلاً أصواتها تنخفض وترتفع. بدا ذلك كأنه جزء من العرض، الذي تتدرج في حماسته إلى أن تممها في نهايته، لا سيما أن أغنيات فرقته لا تترك مجالاً لإندماج المستمع بسرعة فيها، مثلما لا تعمد إلى طرده منها، لكنها، تظل قريبة وبعيدة، خافتة ولامعة، ساكنة وصادحة، عزائية وطريفة. فثمة اختلاط في ايقاع الأغنيات وكلماتها، اختلاط لا يبغي البروز الكامل والدائم من خلالها، بل يؤمن تأليفها وتقديمها لتكون منسجمة ومتلائمة.


باشرت الفرقة ظهورها بأغنية "ضو البلدية"، التي ترثي العمران والإجتماع في بيروت انطلاقاً من التشابه والروتين. غير أن "أدونيس" لا تبكيهما، كما أن الأسى لا يحضر في صوت مغنيها أنطوني خوري، بل العكس، تصر على حبها لبيروتها المشغولة بغيابها، وتهمس لها به: "على ضو البلدية بدي حبك". وسرعان ما يتحول هذا الهمس إلى موضوع ترداد، وفي الوقت نفسه، يضحى صيحة، كأنه هو الوحيد الذي لا يغيب في المدينة، ويصون حضورها، وذلك، على الرغم من عوائق العيش فيها: "كل نهايات بيروت بتشبه بعضها، ضحكة عم تحكي لقبلها وكل شي من بعدها، أيام بتروح وما بتوفي بوعدها".

بعد "ضو البلدية"، انتقلت الفرقة إلى أغنية "الأجنبية"، التي من الممكن القول أنها تبين علاقة الغناء بالعزف داخل أغلب أغنيات "أدونيس". إذ أن العزف، وفي الكثير من الأوقات، يبدو كأنه يسعى إلى اللحاق بالصوت، الذي يؤدي صاحبه الكلمات بلا أي يغمره بها، بل يبقيه على سطح نصها. فمثلما يضيف الصوت على النص نبرته، يوفر النص له مجالاً للتحرك، أو بالأحرى سبيلاً للتفلت من الموسيقى، التي تواصل تتبعه. تماماً، كما في "أجنبية"، حيث يسرع خوري كلماته، أو جملة "فيها الإحساس هيدا الاساس بتعلقك من دون ما تحسي، فيها البساطة، وبالبساطة شوفي كيف عم تهزي"، وفي إثر تعجيله بها، يضحى العزف قبل صوته، وفي تلك اللحظة، يصير الثاني بانفراده هو ركيزة المغنى.

وقد يصح عطف ذلك على نظرة الفرقة إلى بيروتها، التي لا تعاينها على أساس مدحها أو ذمها بالمطلق، بل تحاول، وفي سياق تأدية الأغنيات عنها، أن تجد فيها موطئاً، تذهب إليه، أو تتوقف عليه. فأغنية "في زينة كتير" تدور حول مشهد واحد وكثيف، وهو وجود الكثير من زينة العيد في الشارع. يساعد الإيقاع هذا المشهد في استقراره على جو من الغم أو الحسرة، قبل أن يفتحه على نهايته الجذلة: "وإنت بقلبي الزينة وبعدك إنت الوحيد، يلي فيك تواسيني كل ما يخلص العيد، ويجي موسم تاني، موسم يقطع ويعيد مطلع ذات الأغاني لحلّيناها سوا عالترديد". بالتالي، تخبر الفرقة قصة ما، وتوصف منظر مديني بعينه، وفي ذلك، تكون هادئة إيقاعياً، قبل أن تنهيهما، أي القصة والمشهد، بالتعارض معهما، كأنها تقع، وعبر الموسيقى الملاحقة للصوت، على موضع داخلهما، وهو غالباً ما يكون الحب. والأخير، لما تغنيه "أدونيس" في "كرمالك" لا تتردد في اعتماد إيقاع سريع، يحمل الكلمات عليه، ويجعل صاحبها يؤديها كأنه على عجلة من أمره وأمرها، لدرجة "الإعتزال" عنها: "اذا اضطريت بعتزل الموسيقى وبخلي هيدي تكون آخر غنية".

واصلت فرقة "أدونيس"، التي تأسست في العام 2011، تقديم أغنياتها خلال عرضها، وفي كل مرة، كانت تقترب من ربط غنائها بحضورها على المنصة، وذلك، بدون أن تحققه. فوقوف أعضائها، أنطوني وفابيو خوري ونيكولا حكيم وجويي أبو جودة، أمام مستمعيهم بدا ليناً من ناحية الإستعراض، وفي الوقت نفسه، متين من ناحية التفاعل. ذلك، ما عدا في نهاية كل أغنية، حيث يسرعون في الموسيقى وتصويتها، كأنهم يتعقبون طريقهم، الذي لا غلبة فيه لأحد منهم على غيره، من المدينة إلى صوتها، إلى المنفذ من غيابها: "كان في زاوية بآخر الحي، بناية واطية نقعد عسطحها، نتخبى بين خزانات الماي، هدّوا البناية وقلبنا هلصفحة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024